غالباً ما تتحكم بأجيال الحداثة الشعرية، عقدة أوديب، أو قتل الأب، والزواج من الأم، وهي العقدة العجيبة التي اقترح وجودها عالم النفس النمساوي فرويد، من خلال تحليله لمسرحية ''أوديب ملكاً'' للمسرحي الاغريقي سوفوكل·· الذي قتل أباه الملك وتزوج بأمه واعتلى العرش· انقض بعض الرواد، في الشعر العربي الحديث، على أسلافهم من الرومانسيين والكلاسيكيين الجدد، معتبرين أن مكانهم الجديد في سلم الشعر، لا يترسخ إلا إذا تمت زحزحة الأسلاف عن مواقعهم، هكذا فعل جيل الريادة الثانية (السبعينات من القرن الفائت) بجيل الريادة الأولى (من أمثال السياب والبياتي ونازك والحيدري وأدونيس وعبدالصبور وحجازي وحاوي)· أما جيل التسعينات ومن بعدهم حتى نهايات القرن الفائت، ولغاية تاريخه، فإنهم كانوا أشد ضراوة على أسلافهم، وأكاد أتخيّل صراع الأجيال هذا، على صورة صفوف من الشعراء تتراصف صفاً خلف الآخر، وفي يد كل شاعر خنجر يصوبه إلى ظهر أبيه· على هذه الصورة جرت بعض مقاليد الانتقال من الكلاسيكية إلى الحداثة في أوروبا· حين سُئل ماياكوفسكي، الشاعر المستقبلي الروسي، عن السبب في مقته للرومانسية، وإهماله للشعراء الرومانسيين الذين سبقوه، قال: ما حاجة جسم حي كجسمنا (نحن المستقبليين) لعضو مريض؟ وقد استثيرت في فرنسا، مع تيار الحداثة العاصف، ومدارسها المتتالية من الدادائية إلى السريالية، مشاعر عدائية، بل إلغائية، تجاه رموز الأدب الكلاسيكي، في الشعر والرواية·· حتى ان أوجين يونيسكو، المسرحي السريالي الطليعي، جلس يكتب قصائد هجاء في أكبر شاعر كلاسيكي فرنسي (فيكتور هوغو) سماها ''هوغوليات''· مع بروز تيار الحداثة الشعرية العربية، كان في الصراع بين شعراء الحداثة والسابقين عليهم من كلاسيكيين جدد (أحمد شوقي وخليل مطران وحافظ ابراهيم وبدوي الجبل) أو رومانسيين مثل (ابراهيم ناجي وعلي محمود طه وشعراء مدرسة أبولو) أو رمزيين مثل (سعيد عقل وصلاح لبكي)، مد وجزر· وما يسترعي الانتباه، هو أن الضراوة كانت من الأسلاف على الجدد، أكثر مما جاءت من الشعراء المحدثين على أسلافهم· فحتى اليوم، لا يعترف سعيد عقل، على سبيل المثال، برواد الحداثة الشعرية، ولا بالحداثة نفسها· ومات بدوي الجبل، وهو منكر للحداثيين من مجايليه، أما عمر أبوريشة فقد اعتبر الحداثة الشعرية، بدعة صهيونية·· ولم يسلم شعر الحداثيين من سياط نزار قباني اللاذعة، فلطالما تهكم الرجل من الحداثة وغموضها والحداثيين ورموزهم الطلسمية·· ومع ذلك، فالكلاسيكية والنيوكلاسيكية، والرمزية، والرومانسية·· تشهد غروبها الأكيد·· وتقوم اللحظة الشعرية العربية المعاصرة على أكتاف شعراء، نسميهم شعراء العتبة الذهبية، أولئك الذين قال فيهم محمد العبد الله: ''نحن أعظم جيل شعري لأعظم مرحلة·· كان فيها، لابد لكل شاعر لكي يضيء، من أن يحترق في مكانه''·· وهم شعراء وسيطون بين أزمنة غابرة وأزمنة قادمة·· وهو أصل فكرتنا القادمة·