«سأتعلم اللغة الفرنسية.. فقط لأقرأ أعمال غيوم ميسو بلغتها الأصلية». أثارت اهتمامي بشدة هذه الجملة عندما قرأتها في تعليق لفتاة شابة عن روايات الفرنسي «غيوم ميسو» الذي بالكاد قد دخل عقده الرابع منذ عامين، فقدرة كتابات الرجل على جذب الشباب لتلك الدرجة أمر يستحق التوقف. عن نفسي قرأت تقريباً كل أعمال «غيوم» المترجمة كنت قد تعرفت عليه للمرة الأولى من خلال قراءة رواية «وبعد..» التي تمت مناقشتها منذ سنوات في «صالون بحر الثقافة». توالت قراءاتي بعد ذلك للترجمات العربية لأعماله: «أنقذني» و«لأني أحبك» و«نداء الملائكة» و«فتاة من ورق» و«غداً»! وجدتها بسيطة جداً ولكنها شيقة للغاية أخرجتني عن سياقي المعتاد في القراءة، فلجأت إليها كل مرة لأكسر روتيني. وبالفعل فأعمال «ميسو» تشبه السفر بعيداً لتشتاق لما هو بجانبك، ولتعود إليه بكامل طاقتك. أكثر ما يميز أعمال «ميسو» شخصياته المرسومة بشكل متقن، فحسب ما ذكره في حوار معه - موجود في موقعه الشخصي- أنه يُنشئ سجلاً خاصاً لكل شخصية. وهذا حقيقي فالشخوص في أعماله نعرف تفضيلاتها في الطعام والأغاني، وعن مزاجها العام وتاريخها السابق، وهذا يراه بوضوح كل من قرأ له أكثر من عملين، وهو بذلك يجعلها حية تشبهنا في كثير من تفاصيلها. كذلك اعتماده على خلفيات مأساوية لأبطاله، فأغلبهم جاؤوا من بيئات - وإن كانت متباينة - إلا أنها تتطابق في علامات الضياع مثل التفكك الأسري أو المخدرات أو العيش في مناطق غير مأمونة امتلأت بالعصابات وجرائم القتل والمدمنين، ثم يمنحها فرصاً بسيطة تُحولها جذرياً إلى شيء آخر تماماً، ثم يعود ليضعهم في ظروف ليختبرهم ويجعلنا نراهم ماذا سيختارون، فنتورط رغماً عنا في علاقة معهم. كذلك تتشابه أعمال «ميسو» كونها تدور حول علاقات الصداقات والوفاء لمحبوب غائب والأبوة المعطاءة وحالات الخذلان ودوافع النجاح. ويأتي كل هذا في إطار مثير مخلوط بالغرائبية والأجواء البوليسية التي تزيد من فضولك لالتهام العمل، فتكتشف أنك أنجزت ما بين 400 إلى 650 صفحة - كل أعماله بهذا الحجم - خلال زمن وجيز. يُعد «ميسو» اليوم من أكثر الكتّاب الروائيين في فرنسا والعالم مبيعاً لأعماله، فحسب صحيفة «لو فيجارو» الفرنسية بيع على مدى خمس سنوات أكثر من 25 مليون نسخة حول العالم ترجمت إلى 40 لغة. ورغم رأي البعض أن أعماله مجرد فقاعة، فإنه يرد بأن ما يعينه فعلاً هو رؤية الناس على مختلف أعمارهم وأجناسهم في القطار والمترو والحافلات يقرؤون أعماله، في وقت اشتغل فيه الجميع بالهواتف وألعاب الفيديو.. وفي رأيي هذا يكفي.