ما انفضَّ قلبكَ هائماً كأن جراحهُ طابت. وما انفكَّ قيدكَ بعدُ، ولا خليلكَ نوى أن يزورك في ليل الحنين. وهذا غناؤكَ الذي شرخ الضُحى وظننّاه حُراً، لم يكُن إلا تمتماتٍ مات قائلها وطواهُ بحرٌ من النسيان. كنا نبادلكَ النار إذا اشتدّ ضُرامها، وكنا نزرعُ الحصى سلالمَ لارتقائك كي تستقيم رقابنا، لكننا في ظهيرة الأسى، رأيناك تفطمُ الأمل الأخير مغادراً أقلامنا، ولشدّة ما آويناك في المهج الضريرة، لم نرَ خوفكَ من اندلاع اليأس في أحلك الآهات، ولم يقل لنا لسانكَ وصفاً عن الطرقات التي ستظلُّ تضيقُ إلى حدود المتاهة. وما كان لحظياً، صار باعاً في الزمن البخيل. وعلينا، كي نواسي بعضنا، أن نعبر الشبرَ كأنه جسر الخلود. وأنت، يا الذي آخيتنا تحت قمر الرجاء، يا الذي ختمتَ على جباهنا وشم انتمائنا للماء، كيف تفسر مرسانا في الضحالة. وأين، لو منحناك البوصلة، ستقودنا يداك. رمم لنا أصابعنا فنحنُ لم نبدأ الكتابة بعدُ. خذ حجراً واضرب به سكون الليالي الآسنة. وإذا اختلطت وجوهنا بين التائهين وزلّت نوايانا إلى درك العبط. لا تقل أفيقوا ونحنُ رحمتنا السكين. لن نقبل أن يزلزل أوهامنا الصحو، وما ستراه على وجوهنا مجرد أوشامٍ تعاقب على حفرها الصفعُ، ومجرد سحناتٍ لا يزول غبارها. طال المخاضُ، وما سيولدُ من بيضة الصبر، ما هو إلا قيح سكوتنا المر على حفلة النكران. عندما نبتهلُ في طنينٍ جماعي، ولا يخرجُ من أفواهنا سوى المنّ. وعندما ندقّ الكفوف على الدفوف ولا يسمعُ البعيدون منّا سوى نشيج شفاهٍ متبرمة. طأطئ رقابك أيها العُبوس، سيزول لحنك قبل أن يبدأ، وغمامة الغمّ ها هي تبتعد برذاذ ما فيها. وقوس الحنوّ، ذاك الذي تخشّبت حوافرنا ونحنُ تصنّمنا تحته، ها هو يوشكُ أن يكتمل، وتوشك نسمة الحب أن تغسل الرمد الذي أعمى سرائر أوّلنا، وتفتحُ عين آخر من سيولدُ منّا. ذلك لأننا شربنا كلماتك من نبعها الأوّل. وقرأنا في صمتكَ ما يُشبه الفصاحة في أدهى معانيها. ولولا العصا، لرأيتنا نحبو ثم نقفز في علامات السؤال. ولولا جفاف الحبر، لما حرقنا سفائننا، ولكن ما حيلة المدهوش حين يرى النار لأول مرة، ويركضُ كي يقبّل لسانها، وما حيلة العاقل حين يرى المجانين يطيرون في رقصة الانفلات، وهو سجينٌ لا يزال في الفكرة الباردة. Adel.Khouzam@alIttihad.ae