ربما لن يكون ثمة مغزى للزمن العابر في التقويم حدود سنة أو الفاتح باب سنة أخرى، فهي أيام تحددها تواريخ اصطنعها البشر، ولن تعني ما تعنيه الأعياد إلا بما ستحمله في ثناياها، ومادامت في رحم مجهول فهي ليست في حيز العيش أو الحلم به في الأقل، تلك حقيقة لا نتذكرها إلا بقدر ما تتيح من الاحتفاء بقادم الأيام التي لا تعبأ بنا، تأتي وتمضي، ولا قدرة لنا على أن نفعل شيئا سوى الانتظار. أعياد بابل ستكون أمثولة لما ذهبت إليه الأفكار في ليلة دخول سنة، تفصل افتراضيا بين زمنين لا يعلم أحد أين ستكون تغيراتها وكيف؟ حصل الآثاريون على كِسر وإشارات من بابل القديمة تحكي أعياد رأس السنة البابلية: طقوس تختلط فيها الخرافة والواقع وتستمر اثني عشر يوما لكل منها طقس خاص. عم يبحث البابلي في عيد الأكيتو (احتفالات رأس السنة)؟ عن حياة متجددة، يجيب دارسو الرقم الطينية المتبقية المقاومة للزمن وكرّ الأيام على حياتها الرمزية. كل شيء يحدث في الخيال الذي يغذي الواقع بأسباب بقائه، تختلط الآلهة بالبشر الذين يستعيدون ماضيهم ويتأملون حاضرهم ويمدّون أعناقهم لتوقع مستقبلهم، يناشدون آلهة الخصب أن تعود لتخضر الأرض ويسقيها الفرات الذي يدشّن كبير الكهنة الاحتفالات بالاغتسال في مائه فجرا، الفجر كبدء للحياة اليومية والماء المقدس الذي يعني الحياة بدءا وسيرورة ومصيراً.. اغتسال رمزي سيقول السياب في إحدى تموزياته إنه أمل بأن تُغسل بابل من خطاياها. أية خطايا تغتسل بابل منها بماء الفرات في بدء أعياد السنة؟ إنها في الفكر البابلي افتراضات تربط الجفاف بغياب الآلهة عقابا لأخطاء البشر وخطاياهم، لذا يتنادى الفنانون في اليوم الثالث للاحتفالات ليصنعوا تمثالين ذهبيين مرصعين بالأحجار الكريمة يحمل أحدهما ثعبانا والآخر عقربا ـ وهما رمز القوى التي تسكن باطن الأرض ـ ويعرضان حتى اليوم السادس وفيه تقطع رأساهما رمزا للقضاء عليهما، والشر الذي يمثلانه ويوقعانه بالموتى في العالم السفلي، بينما تكون ذروة الأعياد في اليوم الثامن حيث يعود الإله مردوخ وتعلو الأغاني حتى اليوم الثاني عشر فيكون نهاية جملة الفرح وقصة القيامة تمهيدا لحياة جديدة وأملا آخر. (التفاصيل مستقاة من كتاب مارغريت روتن “تاريخ بابل”). أية خطايا وأخطاء سيغسلها الفرات اليوم حين تمر الأعياد منكفئة منطفئة بأيدي الأخوة الأعداء والمسحاء الكذبة ومبشري الموت وزارعيه في كل مكان؟ أي فرات قادر اليوم على أن يهب المغتسلين فيه دفق حياة جديدة لا تتشابه أيامها ولا تتكرر؟ أسئلة تهيم في منتصف ليلة ينقلنا حدها المفترض إلى صفحة أخرى في تقويم لا أحد يمنع عنه أفاعي وعقارب الشر في ظاهر الأرض هذه المرة وليس في باطنها حيث العالم السفلي كما كانت أيام مجد بابل وعنفوانها؟