أسلوب حضاري رفيع المستوى، تتبعه وزارة الصحة في بلادنا، وهي تضع خدمتها الطبية رهن إشارة الذين شاخت مفاصلهم بعد كد وتعب، وبعد أن نقشوا أسماءهم على تراب الوطن من حبر العرق، فاليوم فرق العمل الطبي تقوم بزيارات ميدانية، وتدخل البيوت من أوسع أبوابها، والعيون تشع ببريق الأمل لمن علقوا المقل، باتجاه ملائكة الرحمن، لابسي البياض، مهفهفين بالنبس الأنيق، والبوح الرشيق، ولمسات ترفرف وتخفف من رهط السنين، وعناء البحث عن الذات. الفرق الطبية التي تقوم بزيارات لكبار السن والمعقدين، هي طيور بأجنحة الود والوفاء، والانتماء إلى الإنسان أينما كان وفي أي وضع صحي كان، وهذه الخطوة تعبر حقيقة عن وعي القائمين على وزارة الصحة، وإنسانيتهم المرهفة قبل كل شيء، وثقافتهم الحضارية السبّاقة في فعل كل ما يضع الإنسان في مقام الوالد للولد. هذه الخطوة هي وثبة الجياد، نحو آفاق النقاء، هي هبة الرجال بنصال الأحلام، بحدقات واسعة، تتجاوز الحاضر، لتنهل من المستقبل، مستعينة بالأثر الطيب لأولئك الذين نحتوا على صحائف الصحراء، ما جادت به الإرادة الصلبة والعزيمة القوية والحب العذري لمكان وزمان وإنسان. خذه الخطوة، نخوة المخلصين، المحبين، الجادين، المتفانين، النابغين في صناعة الحياة، وصياغة تفاصيلها بلغة العشاق، الذين ألهمهم الله حب الوطن، والاصطفاف إلى إنسانه، كونه النون والقلم، والحبر والقرطاس، لأي وشائج اجتماعية متلاحمة مترابطة متكاملة. وعندما تلتفت وزارة الصحة إلى كبار السن، بهذه الالتفاتة اليقظة جداً، إنما هي تنحاز إلى الأصول، وتنصرف نحو الجذور، فهؤلاء الذين تقاعس عنهم العمر هم المد والمدد، وهم المدى والوتد، هم الحد والعدد، هم الرقم الذي صاغ استثنائية الوطن، ورسخ ركائزه، وثبت أركانه، فجاء اليوم الذي يجب أن نرد لهم الدين.. وخيراً فعلت وزارة الصحة، وفضلاً قدمته لذوي الفضل والجزل، عندما حشدت طاقاتها وإمكانياتها، لأجل أن تصل إلى هؤلاء، وتصافح أيديهم المعروقة، وتلامس أكفهم المرتجفة، فتساندهم وتعاضدهم، وتزرع الأمل في عيونهم، أزهاراً يانعة، وعشباً بلون الأحلام اليافعة.. هذا الجهد، هذا الوثوب إلى قمم العطاء، هذا الولوج في أفئدة الذين نبضت أفئدتهم بحب الوطن، وعشق ترابه، هو النتيجة القصوى التي يرتجيها كل محب لهذا الوطن، وهذه هي وزارة الصحة، تمضي قدماً في تشريع الخدمة الإنسانية والوطنية، لشريحة هي صلب الظهر، وعظم العنق، وتاج الرأس، ووسام الصدر.. هم كبار السن، فشكراً للعشاق، شكراً للمخلصين.. شكراً للذين يضعون الإنسان في مقلة العين، وعلى الجبين.