أعاد الله على الإمارات وحكومتها وشعبها عيد الأضحى المبارك، وهم يرفلون بأثواب العافية ويتنعمون بسعادة مطلقة. بقي من الوقت ثلاثة أشهر، وينتهي عام القراءة، وقد قطعت على نفسي عهداً أن أقرأ أكثر مما كنت أفعل، وشحذت وقتي لتلك الممارسة تاركة الهاتف الخليوي، الذي يعزلني عن البشر والإنسانية، ويجمعني بمقاطعٍ ومفاهيم ونكات تطبعُ نفسها على جدار ذاكرتي وذكرياتي. جلست مع كتب كثيرة بعضها جديد وبعضها قديم وبعضها مستعار، وقررت أن أبحث عن السعادة في خلوة مع خير جليس، وذهبت إلى جذور السؤال عن السعادة وماهيتها عند فلاسفة اليونان والفلاسفة المسلمين، وهناك سؤال أجاب عليه الفيلسوف أرسطو عندما سألوه عن الحياة السعيدة فأجاب بردٍ سبقه إليه الفلاسفة المخضرمون رداً على سؤالٍ وجهته هيرن زوجة سمنيدس لزوجها: «أيهما أفضل الحكمة أم الغنى؟ فقال: الغنى، لأننا نرى الحكماء يقضون أوقاتهم على أبواب الأغنياء، لكن الثروة وسيلة لا أكثر، فهي في حد ذاتها لا ترضي غير البخيل، وإذ كانت الثروة نسبية فإنها لا ترضي إنساناً زمناً طويلاً، وسر السعادة هو العمل أي بذل الجهد بطريقة تتفق مع طبيعة الإنسان وظروفه. والفضيلة حكمة عملية، وهي تقدير الإنسان بعقله لما فيه من خير، وهي في العادة وسط بين نقيضين، والإنسان في حاجة إلى الذكاء لمعرفة هذا الوسط، وإلى ضبط النفس». أين من يقرأ ما بين سطور مقولة أرسطو بأن السعادة هي العمل والعطاء والتسامح والتفاهم والعدالة والنزاهة والصدق والحكمة والشجاعة والعفة والعدالة؟ أو ما قاله فيلسوف العرب الفارابي عن السعادة بأنها «الخير المطلوب لذاته وليس تطلب أصلاً ولا في وقت من الأوقات لينال بها شيئا آخر، وليس وراءها شيء آخر يمكن أن يناله الإنسان أعظم منها»، وهذا فكر لا يطرق أبواب البعض بأن السعادة من فعل الخير التي ينال فاعلها عليها أجراً، فمن يُسعد طفلاً بعيديّة كأنما أضاء شموعاً تنير دروب الذاكرة، وتنعش مفهوم التلاحم والتكاتف. السعادة ليست منصب، سيارة فارهة، السفر في الدرجة الأولى، أو حقيبة ماركة «سيلين»... وهناك من وصل إلى حالة سردنبال عندما استحوذته العوارض الحسية في تلبية المحسوسات وعن ذلك يقول فيلسوف اليونان: «ثراء البعض لا يجلب لهم السعادة، لأن الثراء في هذه الحالة لا يُطْلب لذاته وإنما لما يحققه!». للعارفين أقول، أجمع الفلاسفة باختلاف الزمان والمكان والمعتقد بأن السعادة مرتبطة بالفضيلة والخلق الحسن، وهي تجمع بين المحسوس والمعنوي، من هنا لابد لشعبٍ تحلى بالإنسانية أن يسعى جاهداً لغرس بذورها في بقاع العالم، فالجوع والعطش والعمى جعلت بعض الشعوب تفقدها، وآن للإمارات أن تُعلم العالم من حكمة قادتها والتزام شعبها ما يكرس السعادة لقرونٍ قادمة.