التجديد لدى الفنان المعاصر هو وليد القرن التاسع عشر، فلقد كان لاكتشاف الضوء الأثر الكبير على مخرجات الفنان الإبداعية، والرغبة في التميز عن طريق الارتباط بالعصر، أمسك الفنان بحرية التجديد وأخذ ينحت عبر فكرة أعمالاً فنية يكسوها لباس الحداثة· وبرزت عدة مدارس حديثة استناداً على الاكتشافات العلمية التي يشرب من كأسها العالم، فحاولت التكعيبية التعبير عن الفراغ والزمن مسايرة لمفهوم ''البعد الرابع'' ولا ننسى أن الألم وليد الإبداع، وفي ذات اللحظة، فإن حساسية المبدع قد تؤدي إلى هلاكه، فالتغير والتجديد إن لم نستطع التعاطي معهما فإن مصيرنا سوف يصبح مثل مصير فان كوخ الذي أطلق النار على نفسه قائلا ''ليست هناك نهاية للآلام ''· و كأن الحداثة وما بعد الحداثة وسيلة للتكيف مع أورام العصر، لذلك تجد الفنان يبحث في داخلة عن الأنا المفقودة وسط إعصار التكنولوجيا وثورة العلم· لم تغب تلك الأحداث عن الإنسان العربي، فهو جزء من العالم المحيط، بل هو في وسط النكبة، فالقضايا التي تعصف به من الدمار الشامل الذي يحدثه حب السلطة سواء بين علاقة الأنا بالآخر أو الدولة لأختها بالجوار، الأثر الواضح لبزوغ شمس الحداثة، ولا ننكر سيادة السلطة السياسية والاقتصادية والعولمة الفكرية على عقولنا العربية· الفن وإن تعسّر تعريفه فهو القدرة على إثبات عبقرية الفنان واتحاده مع الآخر، هناك اتزان واضح بين عقلية الفنان والعصر فتلك حالة من التوازن مع تحديات العصر؛ ومن هؤلاء الفنانين الذين خاضوا تجربة الحداثة بجراءة الفنان السعودي ''عبد الناصر غارم'' الذي طرح فكرة العولمة على شكل وقائع حدثت على أرض السعودية·· فالشجرة التي غطاها بالأكياس وأدخل رأسه فيها هي شجرة (monocarps erectus) والتي موطنها الأصلي أستراليا، وذلك ليس بهدف التزيين فقط، بل لزيادة كمية الأكسجين والماء، المدهش في الشجرة الدخيلة أنها قضت على العوالم البيئية المحيطة، وتم إبعادها عن أرض السعودية· لم يستعن عبد الناصر غارم بالقماش ولا حتى المدارس الكلاسيكية، بل تجد الأداء الجسدي مصحوباً بالتصوير الرقمي، ولطرح تلك الفكرة لم يخرج عن إطار مجتمعه بل أدرك رسالة الفن، فأخذ سيفه لكي يقطع كل الشكوك في أكذوبة الحداثة، لقد استعان بالعلم من أجل إيصال فنجان قهوة مملوء بالمنبهات·· فهل يفتح الإنسان عينيه على مصداقية الفن؟