يقال إن محال العبي سوقها ماشي هذه الأيام أكثر من ذي قبل، فبعد ما كان بيعها مقتصراً على الأقلية المواطنة، أصبح اليوم زبائنها من شرق وغرب، وهي الآن الموضة الدارجة في صناعة الوهم والحيلة والتخفي والصيد عن بُعد، لكن ما تتناقله الأنباء لا عن العباءة، بل عن سوقها وزبائنها، فتجارها كما يقيسون ويفصلون العباءة، والتي طوال عمرها لا تحتاج إلى قياس أو تخصير أو تقسيم، أصبحوا اليوم يقيسون الخصور، ويفصلون على الأجسام، وينقشون عليها وعلى بعض من صاحبتها ''التاتو'' ويقال نقلاً عن شهود عيان، إنهم رأوا البائع والزبونة في خلوة غير شرعية داخل غرفة القياس، وبعد مدة تجاوزت التقصير إلى ''التطويل'' خرجا فراداً، في ذهول الحضور الذين استغربوا الوضع، معتقدين أولاً أنهما زوجان، حتى تبين لهم أن الرجل أحمر الوجه، وظهرت هي ''مسّودة'' الوجه، وحينما ألح عليهما بعض من شهود العيان، يريدون معرفة السبب، وتفسير معنى الانحباس في غرف القياس، كل ذلك غيرة وحميّة، ومن طبيعة أهل الدار، وقيم الناس، قالت هي: ''سو·· كول'' وقال الهيس، وهذا ليس اسمه، بل نعت وصفة، إنه كان معها في الداخل يقيس! ؟ كنت أستمع إلى حديث طفلين، لا يتجاوزان العشر سنوات، بلغة إنجليزية صحيحة، أخّير، وأحسن من لغتنا نحن الجيل القديم من تلاميذ الأستاذ محمود، ودروسه القديمة ''أوبن يور بوك·· دو يور إكسرسايز'' فخيل إليّ أنهما أجنبيان يرتديان ملابس وطنية، ولن تغرني السفرة الحمدانية، لكنني حينما اقتربت، وشاهدت النعفة، لأنها من بذر أهل الدار·· ولأن هالملحة من هنا، استغربت إلا قليلاً، وأيقنت أننا ذاهبون في مسار الله يعلم به، فهناك من يريد أن يتبرأ من العروبة، وهناك من يريد أن يتبرأ من ثقافته وإطار حضارته الإسلامية النيّرة بمفهومها الإنساني الكبير، لا الضيق الذي يدعونه اليوم، وهناك من يريد أن ينسلخ من جلده، وهناك من يريد أن يدخل مع الغرب في جحر ضب، توقفت متسائلاً على من يقع اللوم؟ على الأهل المنبّتين الذين لا أرضاً قطعوا، ولا ظهراً أبقوا، أم على المجتمع الهارب إلى الأمام، وأحياناً دون وعي، أم على نظم التعليم المتعثر بغير منهج في سنواته الماضية، وتوجهات الإعلام التائه بين نحن وهم، أم على هزائم الإنسان العربي والمسلم، وغياب القيمة الحضارية النبيلة، هو سؤال كرأس الدبوس، حضني عليه هـ''المفعوصين'' اللذين لا يعرفان ''أن'' بجانبهما، هي وأخواتها، وهناك كان وأخواتها، يقدران أن يلعبا معهن، دون خجل، ودون تكبر أو نظرة تعال، أو أنهن من ''الوافدات العربيات'' خريجات مدارس الحكومة، وأن أمهما ليستا بالتأكيد ''جانيت'' ولا ''شارلوت''، فهناك ''مسائل في الوسط بالدق'' فمن ورّثه ''الحمدانية'' ليس برنار، ومن نقش اسم راشد وسعيد، ليس بنجامين، ثم كيف سيناديان على والدتيهما المصليات سُنّة الضحى: ماما سريعة·· وإلا ماما عذيجة!