ثمانينيات القرن الماضي كنت في مهمة صحفية لتغطية مناسبة في ولاية سلنجور الماليزية، وعلى هامشها افتتاح أحد أكبر مساجدها وهو «المسجد الأزرق» في «شاه علم» عاصمة الولاية، الذي يتميز بعمارته وقبته الزرقاء ومآذنه التي تعد الأطول في العالم.
في تلك الرحلة التي التقينا فيها رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد وسلطان الولاية وضيفه السلطان حسن البلقيه سلطان بروناي المجاورة، تعرفت على فاروق لقمان الكاتب الصحفي وهو يمثل الزميلة «الشرق الأوسط» وشقيقتها باللغة الإنجليزية «ارب نيوز» التي ساهم في تأسيسها كأول صحيفة بهذه اللغة في المملكة العربية السعودية الشقيقة، وقبل أن يتولى كذلك رئاسة تحرير «الاقتصادية» وكذلك الصحيفة التي كانت تصدر من ذات المجموعة بلغة «الماليالام»، وأسندت إليه المجموعة بعد ذلك إدارة مركز التدريب الصحفي التابع للشركة السعودية للأبحاث والنشر، واستمر حتى تقاعد وأقعده المرض قبل عامين، وغادر دنيانا الفانية منذ أيام.
ما يميز تجربة المرحوم فاروق لقمان تعدد وتنوع محطاته المهنية من عدن محل نشأته ودراسته الأولى إلى الهند ومن ثم للولايات المتحدة حيث نال الماجستير في الصحافة من جامعة كولومبيا العام 1962 ليعود إلى عدن ويعمل مراسلاً لصحف «ديلي ميل» و«نيويورك تايمز» و«فايننشال تايمز» إلى جانب عمله في أول صحيفة خاصة في الجزيرة العربية أسسها والده محمد علي لقمان باسم «فتاة الجزيرة» في العام 1940 قبل أن تتوقف عام 1967 إثر قرارات تأميم الصحافة في اليمن الجنوبي على يد النظام الماركسي المتطرف حينذاك ليغادر إلى المملكة ليبني مجده الصحفي الذي انطلق به «سندباداً» في بلاط صاحبة الجلالة.
قالت الزميلة «الشرق الأوسط» في معرض رثائها للراحل إنه يعد «مؤسساً لما يمكن وصفه: (المدرسة الصحافية الحديثة في كتابة العمود اليومي)، حيث كان يطل على قرائه في الصفحة الأخيرة منها بعمود (عالم بلا حدود)»، والذي كان ينشر كذلك في الصفحة الأخيرة من الملحق الاقتصادي لصحيفتنا «الاتحاد» أواخر التسعينيات.
وقد اُعتبر «العمود الأبرز والأكثر قراءة في الصحافة العربية، وجاءت لغة زاويته القصيرة بأسلوب سلس ومفردات جميلة وخيال رحب، متنقلاً بين موضوعات عدة ومتنوعة، وجاء طرحه لينم عن ثقافة واسعة وحس صحفي عالٍ وقدرة عجيبة على الاختزال».
رحم الله أبا ضافر، وصادق العزاء والمواساة لأسرته وكل محبيه.