في ملتقى السرد في شارقة الثقافة، دار الحوار حول النقد وما له وما عليه، وقطّب البعض وشحب عندما طرحت فكرة أنه يجب على الكاتب ألا يختزل نفسه ضمن إطار مدرسي يحدد له حركته في عمله الإبداعي، الأمر الذي أثار حفيظة بعض أشقائنا في المهنة والحرفة، واعتبر أن إقصاء الناقد يعني تجاوز حدود العمل الإبداعي، ما يجعل المبتدئين يهيمون في وديان وشعار ووهاد وهضاب وجبال، بلا ضوابط وبلا ثوابت وبلا أسس تحدد لهم المسار الإبداعي المطلوب في أي حقل من حقول الإبداع، ونتيجة للخلط ما بين الاتكال على الأطر، والاعتراف بأهمية النقد، أعلن البعض نهاية تاريخ النقد، وهذا بطبيعة الحال يجعلنا نشعر بعقدة الذنب عندما يساء فهم ما يطرح، والعقدة تبدأ بسوء التفاهم، لأن المقصود هو النقد المدروس، والأطر المغلقة والسدود والحدود، وإذا أردنا إبداعاً حقيقياً، علينا أن ننتج ناقداً حقيقياً، كسر القيود وتجاوز الخيط الممدود ووصل مع الكاتب إلى قاسم مشترك، هو الإعلاء من شأن الإبداع بقوة التلاحم والتحرر من العصا والمسطرة، والوجود معاً في منطقة الوعي، بحيث ترسم اللوحة الإبداعية بجهد مشترك، فلا يعقل أن ننتقد الظلاميين في أفكارهم المغلقة الصدئة، ونمارس نحن في الإبداع الدور نفسه، ونبذل الجهد نفسه من أجل إغلاق النوافذ على المبدع، ولا تفتح إلا بإذن شرعي من الناقد. هذه مخالفة شرعية أدبية، تحتكر الفكرة وتصادر حرية الإبداع وتجعل المبدع يعيش في حالة ارتباك ذهني، وموت سريري للعملية الإبداعية، النقد مهم ومهم جداً، والناقد مبدع في الأساس، وقارئ وكاتب للنص الإبداعي الذي يقرأه، ولكن يجب أن يخرج هذا الناقد من معطف التقليدية والحفظ والهضم والتكرار، يجب أن يكون جديداً بنقده ولغته وحلمه وانسجامه مع النص، يجب أن يلتصق الناقد بالنص الذي أمامه كعمل إبداعي يخصه، وألا يتبرأ من مهنته ومهمته المقدسة، ويتطلع إلى ذات قديمة قدم الرمل في الصحراء. ولا شك في أن في الكم الهائل من النتاجات الروائية في الإمارات، هناك ما وهن وعهن، ولكنّ هذا أمر صحي لا غرابة فيه، والتاريخ هو الناقد الأول والأخير، علينا أن نلقي كل هذه النتاجات على عاتقه، ولا نشعر بالضيق أبداً، ولا نصاب بالضجر، ولا نخشى من هذه الضخامة في الكم.. يجب أن يطلق عقال المَلَكات الفكرية، وألا ننصِّب أنفسنا قضاة فاشلين، يجمع ما بين الموجب والسالب، ونقول إن هذا الإسهال الروائي لشباب غر، يضر بالمشهد.. بل إنه يجب أن يكون كذلك، ويجب أن نحتفي بالجميع، وندع القافلة تسير من دون صياح.