في قضايا الدولارات السوداء وكل قضايا النصب والاحتيال الساذجة المماثلة، يجب أن يكون الضحية على رأس قائمة المتهمين، ويجب أن ينال نصيبه من الحساب والعقاب، ليس فقط لأنه تنازل طائعا مختارا عن عقله الذي ميزه الله سبحانه وتعالى به عن سائر مخلوقاته، وليس فقط لأنه استسلم لرغبات جشعة وأحلام غير مشروعة في ثراء سريع بلا جهد أو عمل أو عطاء من أي نوع·· ولكن أيضا لأنه قبل أن يكون شريكا في جريمة، وسمح لنفسه أن يثرى بأموال مهربة·
المسلسل الأفريقي لمضاعفة الأموال والذي عاد إلينا مجددا نموذج صارخ لهذه الحالة الغريبة التي يكون فيها الضحية متهما رئيسيا، وعلى الرغم من قدم القصة وسذاجة الحبكة الدرامية وعلى الرغم من أن الأبطال هم هم في كل الحلقات، أشخاص من الجنسية الأفريقية ومن دول بعينها، ألا أن ضحايا جددا سقطوا في الفخ واشتروا الوهم، وهو أمر شديد الغرابة ومؤلم أيضا·
هل هناك في هذا الزمن وفي عصر سيادة العلم وثورة التكنولوجيا وأحاديث غزو الفضاء والبحث فيما وراء المجرات، من يصدق هذه القصة؟·· 15 مليون دولار أميركي مودعة في صندوق أمانات بالدولة، مطلوب لاستلامها 15 ألف دولار فقط لا غير، ليبدأ الفصل الثاني·· الدولارات ليست سوى أوراق سوداء تحتاج إلى مادة كيمائية لـ 'دولرتها' أو لإعادتها إلى حالتها الدولارية الحقيقية، وقبل أن يندهش الضحية أو يتشكك يكشف له المحتالون أن العملية هي عملية تهريب وأنهم لجأوا إلى طلاء الدولارات باللون الأسود حتى لا يتم ضبطها ومصادرتها أثناء التهريب، وليس المطلوب سوى مائة ألف دولار لشراء المادة الكيميائية التي تحول الأوراق السوداء إلى دولارات أميركية خضراء زاهية اللون رائعة القيمة·
المنطق يقول إن هذا السيناريو الساذج الذي تحول لفرط سذاجته إلى مجال للتندر في بعض المسلسلات الكوميدية الخليجية، لا يمكن أن ينطلي على أحد، وليس من المتصور أن يصدقه عاقل، وبرغم ذلك هناك من يصدق ومن يرضى بالمشاركة ولو بشكل غير مباشر في إكمال عملية تهريب من أجل أن يحصل على ملايين الدولارات بلا جهد أو عمل أو إعمال عقل·· فهل يستحق من يفعل ذلك وصف الضحية أو المجني عليه·· بالتأكيد لا يستحق·· بل حتى لا يستحق أن نقول له: عليه العوض·