يحتل السرد في واقعنا الثقافي قمة السائد من القول التنظيري في الندوات التي تنتشر بشكل فادح على مدار الأيام والسنوات معلنة الاهتمام الرسمي والشعبي بالثقافة بما هي قول لا يسمن ولا يغني حسب شهادة الواقع والوقائع· إذ يتمدد القول حول أي موضوع على خارطة السرد موغلا في الإسهاب والاستطالة والإطناب والاستسهال بعد الاستهلال الراسخ والمتأبد في البلاغة العربي · الشعر في لغته صار يتبع السرد ويخضع لسطوته منتعلا الاستجابة للدعوة المبهمة الى ضرورة استعماله للغة اليومي في الصحافة وأشكال المنابر الاعلامية التي تضج بها ساعات العمر حتى مهاوي الصخب· على الشعر إذن ان يرتدي السرد لا كغلالة تشي ولا توضح بل كرداء ونسيج في الرداء·ليبقى للسرد الممل سطوة حضوره وتبقى هالة الاحتفاء تحيطه وتحط من شعرية القول او القصيدة وفق المصطلح اللغوي البليغ القصد،ترفا عابرا لا مائدة له ولا حضنا ليحتويه· القصيدة اذن لا مكان لها في اسرة الاعلام، يتيمة ومنفية الى مسمى الهواية العابرة او الشطح النافر·حيث ليس ثمة من يقرأ او يكترث ، إذ لا قدرة لها على تسويد الصفحة البيضاء التى يغرقها حبر المطابع في عتمة مستكينة· القصيدة تتعامد في زاوية قصية من البياض الذي يظل بياضا وفارغا وخطرا ،إذ قد يحيل القارى الى تشغيل هذا الدماغ المستكين الى التلقي دون نقاش أو اعتراض او تساؤل يطلب الايضاح الذي يقدمه السرد المتطاول والممتد ليريح المتلقي ولا يشغله عما قد يشغله· لكن للقصيدة غاية أقصى من كونها ترفاً او نزوة وجد أو وساوس فكرة فهي في تجليها الواضح تخفي غموضها العظيم الذي يعيد بناء اللغة وبهائها المفقود في انفلاش السرد واستطالاته المملة، وتعيد للعقل خزائن المعنى وتعدده· هذا ما سيؤكده الشاعر الاسباني لويس لونا حيث القصيدة فجوة في الصمت ·عش للغة· اللغة مادة نعمل بها تبنى في الضياع في عدم تعيين الشيء وهي بالتالي عش غير آمن، مؤقت في تبدل دائم قائمة على اصطلاحية المتكلمين وقد مرت بمراحل تدهور انتهى بتنحيتها وتحويلها الى أنقاض ففقدت في هذه المسيرة الرابطة الجوانية التي كانت تربطها بالمحدد في مثالية غامضة·· ان عمل الشاعر يتركز على إعادة بناء هذا الضياع، إعادة تفسير المصطلحات حتى يعاد الى اللغة بهائها وتعبيريتها الاولى··حيث يدخل الشعراء في غابة لا يخافون المراوغة ولا المفاجأة ولا الظلمات··الحالة الشعرية من وجهة النظر الفنية هذه تشبه الحبل السري الذي يربط بين العين والنظر،المبدع بإبداعه، الموجود بما لم يتبدى بعد····· قد يحيط هذا التعريف شيء من غلالة الشاعرية التي تحيل القارئ الى طلب الإيضاح الذي لن يقدمه هذا المقال حتما تاركا لذكاء القارئ قدرة فك الالتباس·وربما الانتباه الى ان القصيدة أغلى ثمنا في المعيار المادي من سرد قد يرخص حد الإملال!!