كلما أشرقت شمس صباح، قلنا «الحَمْدُ لله الذِي أحْيَانا بَعْدَ مَا أمَاتَنَا وإلَيْهِ النَشُور»، هكذا سمعنا أهلنا يرددون، وهذا ما تحفظه الذاكرة من تلك التربية. جلست على أحد المقاهي في بلدٍ اعتركت حوله أوروبا بأكملها منذ عقود عدة، قهوتهم التي يعتزون بحصر تقديمها من اليمن السعيد البعيد كل البعد عن أوروبا، تجلس زميلتي أم خالد في زاوية اعتادتها منذ ثلاثة أيام، فحازت استخدامها وملكيتها حتى أصبح صاحب المقهى يقول عندما يراها «مكانكم محجوزٌ لكم»، فتطلب فنجان قهوتها الذي تعبر حباته، لونه ورائحته عن وطن ثم تنظر إليّ وتقول: «انظري إلى هؤلاء المارة كل شخصٍ يحمل في يده غرضاً ما؟» فأجبتها بدهاء: «صدقتي يا الغالية، هذا الشاب يحمل باقة ورد وقريباً ستتحول هذه الباقة إلى ابتسامة وعناق، وذاك يحمل خبزاً.. هل أدركتِ أن لكل شخصٍ على هذا الكوكب أكلة مفضلة؛ تعالي نشغل بالنا بتفاصيل ما يحمله الناس؟ بالنسبة لي، البثيث والكامي والمحمر والخبيص وعصيدة البوبر والشريح من أحب الأكلات ولا أستطيع اختيار واحدة منها على حساب الأخرى؟ فاستغربت وسألتني: «والهريس؟»، فقلت لها: «هو ليس لي والله يحفظ اللي يحبونه». رق قلبها فاغرورقت عيناها بالدموع وقالت: «أختي عائشة، رحم الله من يحبه، اللحم الأحمر قاسٍ على المعدة والجسد كما أني على يقينٍ من أن الأمراض المنتشرة، لاسيما السرطان هي ناتجٌ من الأكل خارج المنزل». في صمتٍ، بقينا حتى جاء صوت صاحب المقهى «اقربوا، هذه أكلتي المفضلة منذ الصغر، وقد أعدتها زوجتي عندما قلت لها إنكن تترددن على القهوة، وقد شربتها مع التمر الذي أهديتموني إياه فأصبح للقهوة معنىً آخر.. هذه فطيرة من التفاح العضوي الذي حصدناه مؤخراً من مزرعة بيتنا». فقلت لها «هاه، شوتبين بعد، الموقف يصب في لب الموضوع، فهي أكلته المفضلة والريال، ماقصر، يايب لك من (نخلهم) تفاح مافيه سماد كيماوي وطابختنه حرمته.. يعني مستوفي شروط الأكل الصحي؟»، وضع الرجل أمامنا فطيرة تُطعم عشرة أشخاص، وأضاف لا تستغربوا استخدامي كلمة «اقربوا» ففي كل مرة يجلس الإماراتيون على قهوتي يقولون للمارة من إخوتهم «اقربوا»! سألتهم فقالوا، إنها كلمة تعني اقتربوا وتفضلوا، أليس كذلك؟! للعارفين أقول، نعيش في خانات من الذكريات ومن ذكريات الزمن أن يكون لكل شيء تأثير فالطفولة، والصبا والبلوغ والمعارف والحياة وغيرها لكلٍ منها خانة وتأثير، يقول الكاتب عبدالجبار سعد إن تأثير جلال الدين الرومي في الغرب في عصرنا الرّاهن تأثير طاغٍ، فكثيرون مِن مَن دخلوا الإسلام، وفي مقدمتهم الداعية روجيه جارودي كانوا مشدودين إلى فلسفة الرومي وأدبه ومعارفه، وكذلك كل الغرب. اقربوا وانهلوا من العلم والمعارف، فالعلم ونشره وتأثره الإيجابي يرقى بآدمية الإنسان، لاسيما الإماراتي.