فور انتهاء مباراة الجزائر مع كوريا الجنوبية، معلنة فوز «الخضر» التاريخي لها وللقارة السمراء، قفز المدرب البوسني وحيد خليلودزيتش، راغباً في ملامسة السحاب، وهو يهتف: «وعد الرجال وأوفوا بالوعد»، وفي ذات اللحظة، تبدل الحال في الجزائر الشقيقة.. من الجزائر العاصمة إلى وهران إلى قسطنطينة وعنابة والبليدة وحتى سيدي بلعباس.. لا لون ولا مكان إلا للفرحة، فقد فعلها الرجال وقدموا عرضاً ولا «في الخيال». في الجزائر، كانت ليلة أمس الأول، ليلة للذكرى، ليلة للاحتفال.. ليلة للحلويات الجزائرية.. مذاقها في كل البيوت، حتى لو لم يأكل الناس الطامينة وكعب الغزال وقلب اللوز.. الفرحة كانت حلاوتهم والنصر نزل على قلوبهم وقلوبنا برداً وسلاماً، ففوز الجزائر، كان انتصاراً لكل العرب. تخلى «الخضر» في مباراتهم الثانية عن الكثير من الأثقال التي كبلتهم أمام بلجيكا، وتحرروا من الضغوط.. لعبوا كما كان يجب أن يلعبوا من قبل، وكأني بهم وبمدربهم تساءلوا: ماذا نريد بعد وقد وصلنا إلى هنا.. لا وقت هنا إلا للعب، واستوعب خليلودزيتش كل الرسائل التي وصلته، وأحسبه أدركها بعد مباراة بلجيكا، فأصر أن يلعب للكرة.. أن يترك الفريق على راحته.. أن يلعب كما تريد الجزائر لا كما يريد المنافسون، فكان الانتصار الرباعي المذهل على كوريا الجنوبية، والذي يمثل أكبر انتصار لفرق القارة السمراء في تاريخ المونديال. نعم، فك خليلودزيتش وثاق الفريق ومنحه حريته، ومثل الجزائريين، أبناء المليون ونصف المليون شهيد، لا يمكن حتى وهم يلعبون إلا أن يكونوا أحراراً.. تأبى الطبيعة الجزائرية هذا الانغلاق وهذا التكتل، وهذا الانشغال بالآخر، وإغفال كامن النفس، فلما تحقق لهم ما أرادوا حققوا لنا ما أردنا، ولكن ما نريده أبعد من هذا الانتصار .. ما نريده، لا أتجاوز حين أقول إنه أبعد حتى من دور الـ 16، فقد آن الأوان، ليدرك العالم أن هنا في هذه البقعة من العالم من بإمكانهم أن يفعلوها، وأن يشاطروا الكبار الفرحة، لأنها ليست حكراً عليهم. يقف أبناء الجزائر على أبواب دور الـ 16 .. يكفيهم التعادل مع روسيا للتأهل لكنه لا يكفينا، فمن جاد بالرباعية يستطيع ما بعدها، ومن روض وأذل «شمشون»، بإمكانه أن يسطر ملحمة جديدة، وأن يحبس «الدب» ويعبر على أكتافه. وتبدو رغبة الجزائريين جارفة في العبور، والشوق إلى مواجهة الألمان، ربما للانتقام من مؤامرة مونديال 1982، التي ما زالت عالقة في أذهانهم باعتبارها مؤامرة، وهي لدى الكثيرين كذلك، حاكتها عقول المانشافت والنمساويين، وإن حدث ذلك، فهو ثأر تأخر كثيراً، وعلى أبناء الجزائر أن يريحوا جيلهم الرائع الذي سطر في نهائيات 1982 بإسبانيا واحدة من الروائع، حين فاجأ العالم بالفوز على ألمانيا الغربية بهدفين مقابل هدف، قبل أن تتعادل ألمانيا مع النمسا في المباراة الأخيرة للمجموعة، ويقصي هذا التعادل رفاق بللومي وماجر عن حلم كان قريباً. إنه أول فوز للجزائر في كأس العالم منذ أكثر من ثلاثين عاماً، ولذلك جاء بمقدار هذا الانتظار الطويل، وأحسب أنه كان انتظاراً عربياً، لذا شاطرنا الشعب الشقيق الفرحة، فنحن مثلهم كنا بحاجة للفرحة. لم تكن التشكيلة الجديدة لخليلودزيتش، والوجوه التي دفع بها، هي وحدها ما حققت هذا الانتصار، لكن الأهم تلك الإرادة التي أمسك «الخضر» بناصيتها، والتي أذهلت الكوريين حتى ناموا، لنفيق نحن على أغنية «الراي» الرائعة. كلمة أخيرة: حتى الأحلام تتوزع .. حلمك قد يسعدني .. المهم أن يأتي الصباح mohamed.albade@admedia.ae