الكثير منا لا يقنع ولا يعرف قيمة نعم الله إلا بعد زوالها، مع أنه كان يراها غير ذات قيمة؛ وليس على العبد أضر من ملله لنعم الله، فإنه لا يراها نعمة ولا يشكره عليها ولا يفرح بها، بل يسخطها ويشكو ويعدها مصيبة وهي من أعظم نعم الله عليه! فأكثر الناس لا يعون قيمة النعم التي وهبهم الله إياها فيضيعونها ويهملونها ولا يعيرونها أي اهتمام، مثل نعمة الأطفال ونعمة المال ونعمة الصحة ونعمة العمل وغيرها الكثير من النعم التي حباهم الله إياها، وفي لحظة من اللحظات يدرك هؤلاء القليلون الحمد والمهملون أن الهبة التي كانوا يمتلكونها اختفت وصارت في مهب الريح حينها يعضون أصابع الندم ويبكون على ما فات. بالمقابل، هناك فئة أخرى تقدر وتقيم النعم التي لديها مهما كان حجمها، صغيرة كانت أو كبيرة، فيزيدهم الله وينعم عليهم أكثر، بل يسعون إلى إفادة غيرهم بنعمهم ولا يخصون أنفسهم بها. ومن القصص التي درجت على هذا النحو قصة المثل القائل «مد رجلك على قد لحافك»،التي تحكي عن شاب ورث ثروة طائلة عن والده فلم يحسن التصرف بها، بل اخذ يبعثرها ويلعب بها، وكثر عنده أصحاب الرخاء وكثرت سهراتهم وكثر البذخ والإسراف وهم يأكلون ويضحكون ويمدحون الشاب وبعد مدة أدبرت دنياه ونفد جميع ما يملك من ثروة والده وأصبح لا يملك قوت يومه عندها تخلو عنه وضاقت عليه الأرض فخرج من بلدته باحثا عن عمل يحصل منه على لقمة العيش وانتهى به المطاف عند صاحب بستان استأجره، ولكنه لاحظ أنه لا يجيد العمل ولم يسبق أن عمل بيده وأنه ابن ترف، لكن ظروفا لزمته بذلك فسأله ما الذي أجبرك على العمل؟ ومن أنت ؟ فاخبره الشاب بكامل القصة فذهل صاحب البستان لأنه يعرف والد الشاب وأنه صاحب ثروة كبيرة لا يمكن أن تنفد ولكن الشاب أنفقها بسفه فحوقل الرجل ثم قال: لا أريدك أن تعمل وتهان وأنت ابن فلان ثم زوّجه ابنته وأسكنه بيتا صغيرا قريبا منه وأعطاه جملا وقال احتطب وبع وكل من عمل يدك وأنصحك بان تمد رجلك على قد لحافك. وكان في عهد سيدنا موسى عليه الصلاة و السلام رجل فقير جدا فطلب من سيدنا موسى أن يدعو له ربه أن يغنيه سنة فقط ثم يفقره ثانية، فصعد سيدنا موسى الجبل ودعا ربه بما طلبه العبد الفقير فأغناه الله وصار غنيا جدا فقال الرجل في نفسه انأ أحس بالفقراء لأني كنت منهم ففتح لهم تكية «مكان للطعام والكسوة» فزاده الله غنى ففتح أخرى فزاده الله ففتح غيره فزاده الله ففتح غيرها حتى وصلوا إلى سبع تكيات وفاتت السنة وازداد الرجل غنى تعجب موسى وصعد الجبل و دعا ربه وقال له يا رب عبدك الفقير طلب منك أن تغنيه سنة فقط وبعدها تفقره وفاتت السنة وازداد غنى، فقال له الله عز وجل يا موسى أنا فتحت له بابا واحدا وهو فتح لي سبعة أبواب فكيف أغلق له هذا الباب. Maary191@hotmail.com