ها أنت تسير مع قافلة الرهبان نحو المجهول أو إلى ذلك المعبد الأسطوري القابع في أعالي الجبال، بعيداً عن الحضارة العصرية. الطريق وعر، والموارد قليلة، ولا شيء سوى المسير ليل، نهار تقريباً، حتى تقرحت الأقدام من فرط المسير والإنهاك، غير أنهم يعتقدون بأن ذلك نوع من التطهير، وأن هذا الطريق لا بد من سلوكه من أجل الوصول إلى الخلاص وإلى السلام الداخلي. تعرف أن طريق البحث عن الحقيقة ليس معبداً بالورود، وأنه وعر صعب، فتتحمل وعورة الطريق بحثاً عن الأمل وعن الذات الضائعة التائهة في فيافي الوحدة وصحراء الغربة، تتراءى لك الجبال من بعيد، تغلفها الغيوم، تشعر كأنك تعيش في لوحة طبيعية لفنان آسيوي حالم، غير أن ثمة إحساساً بنوع من الرهبة يداهمك، ربما يكون ناتجاً عن الإقدام على شيء جديد لا تعرفه لأنه يمثل بالنسبة لك عالماً خيالياً مجهولاً، أو ربما لأنك مقدم على مغامرة مختلفة، هؤلاء القوم مسالمون، لأنهم يتحلون بالفضائل من أجل أهداف أسمى، فليس هناك ما قد يثير القلق أو المخاوف، لكنك لا تشعر بالاطمئنان كلما اقتربت من وجهتك. تدفعك رحلتك للاعتقاد بأنك ستتخلص من الجنون، ومن معاناة الحياة التي يسببها شقاء الولادة والشيخوخة والخوف من الموت ومن الإخفاق، تتعلم في الطريق من تعاليم بوذا كما تعلمت سابقاً من تعاليم كونفوشيوس، إنها مجرد نظريات فلسفية، فتعجبك المسألة لدرجة أنك تصدق أنك فيلسوف، فتبحث عن مريدين وتلاميذ، لأنك تؤمن أن سبب الشقاء هو الأنانية الإنسانية وحب الشهوات، وتلك غريزة بشرية مرتبطة بالبقاء والوجود. تتذكر جنونك، عشقك، أخطاءك، خياناتك، ماضيك، شياطينك ولعناتك، تبحث عن الخلاص وعن التكفير، وعن الصفاء الروحي أو ما يسمى في هذه الثقافة بحالة “النيرفانا”، لأنك تعلم أنك لن تستطيع كبح جماح النفس وشهواتها كما قد يفعل هؤلاء الذين تسير بينهم، لن تتمكن من ترويض النفس أو تعويد العقل على التأمل للتخلص من الشوائب، لأن تأملنا مختلف وأفكارنا مختلفة، فتوقن أنك لن تستطيع الوصول إلى مرحلة الخلاص ولا إلى التنوير. تضحك من دون أن تشعر بصوت عال على تلك الأفكار، لأن عقيدتك واضحة وإيمانك راسخ، فتشعر بريبة واستغراب رفقاء السفر، تتصرف على سجيتك، وتكمل الطريق في صمت، فلا أحد يفهم ما تقوله على أي حال سوى ذلك الراهب العجوز الذي يتحدث الإنجليزية، غير أنه منشغل عنك لأنه يقود هؤلاء القوم إلى ذلك المعبد في أعالى الجبال ولن يكون مهتماً بقصصك السخيفة. rahaluae@gmail.com