الشخص اللا أخلاقي، هو من طاشت به الرغبات، واحتدمت الأنا، وأصبحت فناءً ضيقاً، بل أضيق من ثقب إبرة، الأمر الذي يجعله لا يتسع إلا لنفسه، ويضيق صدره لأي بادرة حب. هذا الشخص مندفع، وأحمق، ولا يجد في الآخر غير مادة للمتعة وتحقيق الإشباع الذاتي. هذا الشخص، مثل ما قال سيرين كيركجارد، منفتح نحو الآخر لغرض الافتراس والاستيلاء والاحتواء والامتلاء. هذا الشخص يحب إلى درجة الكراهية الفجة، ويكره إلى درجة التعلق القميء، وهو استغلالي وانتهازي ووصولي، ويبذل كل ما بوسعه من التذلل والخنوع، حتى يتمكن من اصطياد فريسته، وبعد التمكن يفرغ إلى إذلال الفريسة، ووضعها رهن الاحتجاز المؤبد. هذا الشخص لا يذعن لقيم ولا عرف ولا تقاليد ولا دين، إنه الشخص الفارغ والنرجسي. نلاحظ ذلك في الأشخاص الذين يلبسون الأقنعة الواقية للحقيقة، هؤلاء يستخدمون كل الوسائل لتحقيق مآربهم الشخصية، ويمارسون أساليب ملتوية ومطاطية تحت شعار القيم، وأحياناً الدين، ويلبسون مختلف الأثواب، ويتلونون بألوان عدة، حتى لا يكشف أمرهم، ويستطيعون أن يدخلوا على الناس من أبواب مختلفة، ويمررون خططهم بنجاح، مستغلين ثقة الآخرين عندما يبرزون بسمات الورع والتقوى، ودائماً ما يلقون التعاطف من قبل الآخرين، هم ليسوا أذكياء كفاية، ولكن سذاجة الآخرين وعفويتهم تجعلهم ينتصرون على الآخرين، ويكسبون الود والتقدير. اليوم ونحن في خضم صراع الأفكار، نلاحظ هذا السلوك يبرز لدى من ارتدى لباس الدين، وتعمم بالورع والتقوى، واتسعت حدقته حتى طالت مشاعر الناس، ولا تستطيع أن تقول كلمة واحدة تنتقد فيها سلوك هذا الشخص؛ لأنه امتلك ألباب الآخرين، وصار القديس الذي لا يمس ولا يشق له غبار. اللا أخلاقي، محتال كبير ومراوغ ومخاتل، ولديه القدرة على التملص والتلصص، والتخصص في كسب ود الآخرين، ويستطيع أن ينتقي الجوانب المهمة التي تمس وجدان الناس، وبالذات جانب الدين، كون كل إنسان بطبيعته يختزن حزمة من القيم الدينية. ولهذا فإن مثل هذا الشخص، فإنه دقيق في اختيار الألفاظ، حريص على ألا يقع في المحظور، حتى يتبين للآخرين أنه الشخص المعصوم من الزلل، ما يجعل الكثير من الناس يندفعون نحوه لا إرادياً، وتأخذهم العواطف إلى قناعات زائفة، لكنها قوية وعميقة ومؤثرة في انتماءاتهم لهذا الشخص الافتراضي، والذي تمكن من ترسيخ هذه القناعات في أذهان الآخرين، بما يمتلكه من مخزون عريق في السيطرة على مشاعر الآخرين، وجعلهم ينتمون إليه طواعية، ومن دون تفكير. من هنا تتربى الشحنات العدوانية تجاه مجتمعاتهم، عندما ينساقون خلف الشخص اللا أخلاقي مثل القطيع، فهو بأنانيته يفصلهم عن المجتمع، بل ويصور نفسه أنه البديل للوطن، وأنه المعطي والمجزي والواهب، وبحجم ما يحرض ويكذب ويزيف، يستطيع أن يجيش المجاميع البشرية ضد الوطن وضد الحقائق.