هل يوجهنا أحد؟ هل ستثقون في الإجابة؟ السؤال صعب أم سهل؟، وهل في الساحة كثيرون مثل أولئك الذين يبتدعون ذاك السؤال العبثي، ويصورون أجواء غير حقيقية بالمرة عن تلك الخطوط الحمراء والصفراء والخضراء، وعن مكالمات قبل الطبع، تحثنا على مهاجمة هذا أو مجاملة ذاك.. هل يحدث حقاً ذلك؟. أجزم أنه لا يحدث وأنني طوال سنوات عملي بالصحافة، لم يصادفني هذا الرقيب إلا داخلي.. نعم داخلي.. هو رقيب افتراضي يؤكد لي دوماً أن ما أكتبه ليس كلمات والسلام، لكنها تدخل كل بيت وتطالعها آلاف العيون، وأنه عليّ حين أكتب أن أترك أنا الآخر إرثاً أتشرف به.. داخلنا هذا الرقيب الذي يقفز شعلة وضياء حين يتعلق الأمر بالوطن، فتكون بلادي هي كل الخطوط وكل الرقابة وكل الحب.. فقط عند الوطن نرى ضرورة أن تتوحد الأقلام، وتسمو فوق الصغائر، وأن تحتشد خلف الحلم لتزفه أو لتوضح أسباب ضياعه إن ضاع. أكتب ما أكتب بمناسبة هذا الهمس الذي يصبح كالضجيج أحياناً حول أننا موجهون، وأننا نكتب ما نكتب بتوجيهات من هنا أو هناك، أو وفق مصالح معينة، ونسي أولئك الذين يروجون لهذا العبث، أنهم ذاتهم حين يحققون نجاحاً ولو يسيراً، فإننا أول من يكتب عنهم، وتترك لهم الصفحات، يتحدثون عن نجاحات ليسوا سبباً فيها وعن فتوحات ليست إلا في خيالاتهم، وعن انتصارات واهية، نود نحن أن نصدقها وأن تكون حقيقة.. فقط لأننا نراهم جزءاً من الوطن الذي ندافع عنه، ونتمنى له كل الخير. لست أدري بأي لغة أخاطب هؤلاء، وكثير منهم لا يستحون.. كثير منهم يبحثون عن شماعات للفشل والتردي، فلا يرون سوانا يعلقون في رقابنا خيبات الأمل التي تلاحقهم، والعشوائية التي تلازمهم.. ولو كانوا يعلمون ما قالوا هذا الكلام السخيف، لإرضاء الرأي العام، الذي بات أذكى مما يتصورون. نمارس عملنا في طقس يومي يزداد فخرنا به يوماً بعد يوم.. لا رقيب علينا إلا الله والوطن، ونحمد الله صباح مساء أن أنعم علينا بقيادة لا تمارس وصاية على رأي، ولا تريد إلا مصلحة الوطن ونهضته ورفعة شعبه وكل من يعيش على أرضه. أعتقد بل أكاد أجزم، أن من يروج لتلك «الوسوسات»، هم أدرى الناس أنهم لا يستحقون، وما يقولون إنما هو دليل فشلهم وعجزهم، ولو كان لديهم قليل من شجاعة، لتحملوا المسؤولية أو رحلوا بدلاً من أن يرددوا هذا الكلام «الفاضي»، لأنهم أعلم الناس بوطننا وقيمنا، ولو كان هناك توجيه، لكان الأولى بهم هم أنفسهم أن يوجهوا فريقاً لمصلحتهم، إلا إن كانوا غير مؤثرين، وحينها تكتمل المعادلة.. مثل هؤلاء لا وزن لهم.. مثل هؤلاء لا يستحقون أن يديروا.. مثل هؤلاء أهون من تلك السطور التي ظنت يوماً أنهم يستطيعون. كلمة أخيرة: من يتهمنا بـ «التوجيه».. عليه أولاً أن يواجه