في الوقت الذي يكثر فيه الحديث عن دور القطاع الخاص بالدولة في عملية التوطين، ومساهمته إلى جانب القطاع الحكومي في إيجاد فرص عمل جاذبة لمواطني الدولة، تأتي خطوات إيجابية نراها في القطاع المصرفي على وجه التحديد، فمصرف الإمارات المركزي يشترط الآن تعيين مدير مواطن لأي فرع جديد تطلب البنوك ترخيصه، وذلك للعمل على تعزيز معدلات التوطين في هذا القطاع. وبينما ينظر الكثير من المراقبين إلى القطاع المصرفي باعتباره أكثر مجالات القطاع الخاص نجاحا في التوطين، تبرز الحاجة إلى طرح مجموعة من التساؤلات، أبرزها مدى الرضا الذي يشعر به القائمون على القطاع المصرفي، وغيره من القطاعات الأخرى عن التوطين، فالقطاع المصرفي حقق معدلات تصل إلى 35% في توطين الوظائف، الأمر الذي يعتبره مسؤولون “مرضياً” خصوصاً إذا ما تمت مقارنة هذا المعدل بقطاعات أخرى مثل التأمين والصرافة والصناعة والسياحة وغيرها، فهل تعتبر نسبة 35% مرضية فعلا، أم أنها أفضل الموجود، بل ربما “أفضل السيئين”. خلال السنوات الماضية، تم تصنيف بعض القطاعات على أنها نماذج ناجحة في توطين الوظائف، وتحدثنا وتحدثت مختلف وسائل الإعلام المحلية عن هذه التجارب التي اعتبرناها “رائدة” في توطين قطاعات معينة، مثل المصارف والاتصالات، ولكن ما نلاحظه اليوم هو أن الجهود التي يفترض أن تبذلها الجهات القائمة على توطين هذه القطاعات، قد توقفت عند حد معين، ففي الوقت الذي تم فيه بذل جهود كبيرة لإقحام الإماراتيين إلى هذه القطاعات خلال سنوات مضت، ونجحت تلك الجهود في الوصول بنسب التوطين إلى ما يتراوح بين 30 و40%، نراها اليوم متوقفة عند هذه المستويات، فيما كنا نطمح أن نصل إلى مستويات تصل إلى 60 أو 70%. إذا ما أردنا التحدث بصراحة عن قضية التوطين، فإن المشكلة التي نعاني منها اليوم هي الشعور بالرضا لدى بعض المسؤولين والذين أصبحوا يتباهون في كل مناسبة بنسب الثلاثين أو الأربعين بالمئة التي حققوها، في الوقت الذي يجب عليهم أن يشعروا بقدر من الخجل من هذه المعدلات التي لا تتلاءم مع ما هو مطلوب لتوفير فرص العمل لمواطني الدولة، وهو مطلب لا يقتصر على مجتمعنا فقط، بل هو مطلب بديهي في أي مكان بالعالم. يجب أن يكون الشعور بعدم الرضا هو الهاجس الأول للقائمين على قضايا التوطين، فالواقع أن نسب التوطين الحالية لا زالت دون ما هو مطلوب، وحتى لو كانت مرضية في نفوس بعض المسؤولين فإنها لم تصل بعد إلى مستوى الطموح، والغريب أن هناك مسؤولين يتباهون بارتفاع نسب التوطين في الوظائف العليا بمؤسساتهم أو الجهات التي يشرفون عليها، وعند التدقيق نجد أن هذه النسب لا تعني سوى أعداد لا تكاد تذكر ولا تزيد على أصابع اليدين أو اليد الواحدة، بينما تضم الجهات التي يشرفون عليها مئات وربما آلاف الوظائف، فأين هو التوطين الذي يتحدث عنه هؤلاء المسؤولون؟. hussain.alhamadi@admedia.ae