ثمة موسيقى في رأسي لا أعرف ما الذي حثها على الخروج من مناطق مهملة في الذاكرة، وجدتني أدندن بها ونحن نسير صعودا نحو المعبد المعلق في هذه الجبال في مكان ما من شمال غرب الصين، نحن في مناطق التبت والارتفاع هنا في هذه الجبال شاهق بالنسبة لي، الصعود الى منحدرات وطرق ضيقة يجعل واحداً مثلي لا يمتلك لياقة أمرا صعبا، وربما ذلك ما يجعل تلك الموسيقى تصدح في رأسي.. غير أن هناك ما يدفعني لإكمال الصعود، ربما ذلك الدافع الخفي بحثا عن المعرفة او البحث عن المغامرة في العثور على تجربة مختلفة تشبع ذلك الفضول الغريزي الذي من خلاله نصل الى معرفة الذات ورضا النفس.. التفت حولي فأرى هؤلاء القوم الذين تطفلت للسفر معهم عاكفين على الابتهال فأوحد الله، أسير نحو ذلك الراهب العجوز الذي يقود القافلة لنتبادل الأفكار الفلسفية حول الخلق والوجود والكون والله ورسله، والتي قد لا نختلف كثيرا حول جوهرها ولكن تختلف الرؤى، لأن كل ثقافة تراها بمنظور مختلف، وحول سر بناء مثل هذا المعبد في مثل هذا المكان المرتفع فوق الجبال، وليخبرني عن الأساطير التي تدور حول هذا المعبد، ولأكتشف لاحقا ان كل تلك الخرافات ما هي الا أفكار هؤلاء البسطاء حول هذا المعبد الذي لم يزره أي منهم في الغالب سوى هذا الراهب العجوز الذي يجعل من الصعود مسليا بقصصه الفلسفية المبسطة وبطريقة يمكن ان تكون جدلية أمام واحد مثلي، فننطلق في جدال ونقاش فلسفي لا ينتهي لأن بعض الامور يثيرك ان لا يتم فهمها بطريقة مفروغ منها، الجدال معه مثير لأنه يبتسم كلما وصلنا لنقطة جدلية لدرجة أنه بات يعتبرني فيلسوفا حكيما، وضحكنا أكثر من مرة عندما يتوقف ويسألني إن كنت واثقا أنني مجرد عابر سبيل وكاتب..! أضحك من كلامه ساخرا، وأكمل الطريق، وقد أنظر الى الخلف فأرى أولئك البسطاء وفي أعينهم نظرات توقير، وربما أشعر بنوع من الزهو لأن الراهب العجوز يتحدث معي بطلاقة بل ونضحك معا، في حين أنه غالبا ما يكون صامتا لأن الصمت دليل حكمة كما يقولون هنا، وأن على "التشاوشن" الصوم وذلك يشمل الصوم عن الكلام أيضا.. بعد بضع ساعات من الصعود وصلنا الى المعبد، لم يكترث بي أحد في بادئ الأمر، فهناك أعداد كبيرة من الناس جاءوا من مختلف البقاع وكل مشغول بطقوسه وعباداته وبحثه عن الخلاص والسلام، غير أن الراهب العجوز عاد الى الاهتمام بي لأنني أمثل ثقافة مختلفة عما عرفه هؤلاء، فذهبنا معا لتعلم المزيد وتبادل المعرفة..! rahaluae@gmail.com