الحياة في ظل العقل أم الحياة وفق خيارات العاطفة: أيهما أكثر راحة؟ سؤال جدلي مهم قريب من الفلسفة، لكنه يشكل واحداً من هموم أغلبنا، وقد طرح منذ أزمنة بعيدة، هذا السؤال يستدعي سؤالاً آخر: أيهما أكثر منطقية في خياراته، الرجل أم المرأة؟ ولماذا توصف المرأة بنقصان العقل؟، لأنها أكثر احتكاماً لعاطفتها؟ هل هذا التوصيف للمرأة يوحي بشكل ما إلى إعلاء قيمة العقل وأحكامه في مقابل أحكام العاطفة ؟ وهل يشكل هذا التقييم أو الإعلاء نوعاً من الطبقية في النظر إلى المرأة؟ تماماً كما يشكل المال أو السلطة أو الوضع الاجتماعي المتقدم معياراً طبقياً في تصنيف الناس في المجتمع؟ مجرد أسئلة أثارتها جلسة صباحية على فنجان قهوة. واحدة ممن حضرن تلك الجلسة، تقيم بصفة دائمة في عاصمة أوروبية منذ أكثر من 25 عاماً، بدأت إقامتها بشكل متقطع وزيارات منتظمة إلى هناك لأسباب عائلية تعود لزوجها، وحينما توفي وجدت نفسها منساقة لاختيار تلك العاصمة مكاناً دائماً للإقامة دون أن تنقطع صلتها بأهلها وعائلتها، تعتبر هذه السيدة أن تفضيلها الإقامة الدائمة في أوروبا، وهي سيدة أرملة ووحيدة، خيار عقلاني بحت، فحين توفي زوجها وجدت عائلتها فكرة إقامتها في بلدها بمفردها في منتصف الثمانينيات فكرة غير مقبولة اجتماعياً، بينما استعصى عليها هي أن تقيم في منزل والديها أو أحد إخوتها فاختارت باريس وتصالحت تماماً مع أسلوب الحياة والحركة فيها. إن أصعب ما في الحياة هو أن نقرر كيف نختار شكل حياتنا بالطريقة التي نريد، ذلك أن العدد الأكبر منا وممن حولنا لا يعيشون في الحقيقة الحياة التي يريدونها هم، ولكن يعيشون الحياة التي يقررها الآخرون نيابة عنهم، الآخرون قد يكونون الأهل أو المجتمع والعادات والتقاليد أو الأفكار المتعارف عليها، أغلبنا يطبق على نفسه - راضياً أو مجبراً - قوالب ثقافية جاهزة يتربى على تقديسها والاحتكام إلى سطوتها، وبالتالي فهو حين يقرر لا يعمل عقله ويفاضل بين خيارات وممكنات عقلانية قابلة للنقاش، ولكنه يستعرض المطلوب عائلياً، والمفروض اجتماعياً، والواجب دينياً والمرضي عنه من قبل المحيطين والجيران والناس و... وحين ينتهي من كل هذا ينظر إلى نفسه أخيراً ويضع اللمسة الأخيرة غير المهمة عادة، ولذلك يبقى قلقاً وغير راض عن حياته لأنه ببساطة لم يخترها ، فهي حياة الآخرين وليست حياته. قادني حديثها إلى رواية سمرقند وفلسفة عمر بن الخيام حين جادله القاضي أمام الوزير الأول، نظم الملك جدالاً يريد منه النيل منه، لا نيل العلم أو الاستفادة، فاستدعى عبارات قالها في شبابه حول علاقته بخالقه يشتم منها رائحة إلحاد الخيام أو سخريته من الذات الإلهية، طالباً منه تفسيراً لها أو تعليلاً ينفي عنه تهمة الزندقة التي وصف بها! فأجابه الخيام: لقد قلت ما قلت لأنني لشدة إيماني ومعرفتي بالله أيقنت بأنه فوق الرياء وفوق التزلف، إنما نخاطب الملوك وأهل السلطة تزلفاً وكذباً ورياء، ولكن الله تخاطبه بما هو أهله، هو العالم بما في قلوبنا حتى وإن لم نقله فلماذا نخفي عنه رياء وهو عالم بكل شيء!! تلك السيدة كان يتوجب عليها أن ترائي المجتمع بعد وفاة زوجها، وأن تعيش وفق ما يريده العرف السائد حتى وإن كان فيه قضاء تام على حياتها وفرحها وحركتها النشطة والفاعلة، إن مجتمعاً محافظاً أو مغلقاً مثل مجتمعها في تلك السنوات، سيراقب حركتها هي السيدة الأرملة الوحيدة وسيفرض عليها حياة تعلم أنها ليست الحياة التي تريد أبداً، وكان أمامها إما أن تفكر بعاطفتها وتبقى في بلدها، أو بعقلها فتعيش الحياة التي تختارها دون أن تتصادم مع مجتمع لا يتسامح كثيراً مع المجاهرين بأفكارهم المغايرة له. ayya-222@hotmail.com