بعد رمضان تحاك القصص والروايات وتعاد الحكاية من أولها في سرد مسهب وطويل وكل له غايته.. في أماكن العمل تغرس العاملات والموظفات سُفر الحلويات والمكسرات، يجلس في حلقات حميمية ويحضر الضحك والابتسامة العريضة ومعها تفوح رائحة الأصباغ والمساحيق وما تبقى من احتفالات العيد والحديث يدور حول أنواع الفساتين والمجوهرات وصالونات التجميل، كما لا يغيب عن بال الجميلات أن يطرقن أطراف الحديث حول ما دار بينهن والصديقات وعن الزيارات الميمونة والتجوال في الفنادق والمتنزهات والحدائق والشواطئ.. بعد رمضان والعيد تبدو الوجوه متعبة على الرغم من السعادة التي تغمر الصدور لأن الليالي الملاح أخذت كثيراً من جهد طاقة الذاهبات في معاني الفرح والعيش الرغيد والعلاقات الإنسانية رفيعة المعنى والشأن، كل يرشف فناجين القهوة أو الكابتشينو ويلعق رضابه بتلذذ، ويحكي قصته بنخوة الجيل الجديد الذي غادر بعيداً عن تقاليد الجدات وحط رحاله عند محطات التحديث والبرستيج والموضة الرائعة. بعد رمضان والعيد الكل يتذكر هريس الجدات وثريدهن وكذلك كؤوس الفيمتو الباردة عند الإفطار، الكل يدخل معمعة العمل، وفي معطفه صور ووجوه ومنازل سعد بطرق أبوابها، الكل يكوم الأوراق على مكتبه متذمراً قليلاً حيث ينتابه شعور مبيت للضيق من مكان العمل بعد أن فاض وعاؤه براحة العيد وما داخلها من ألوان الفرح ورائحة المأكولات الشهية، الكل في حالة فراغ ذهني تسطو عليها حزمة من الأفكار لأن في رمضان وكذلك في العيد يبدو الزمن مثل حلقة دائرية تدور في جوفها المشاعر مجددة العهد مع الأيام الثلاثين وبعدها أيام العيد حتى يتم الانتقال من مرحلة الفراغ إلى مرحلة الزحام الوظيفي يحتاج البعض إلى إجازة إضافية كي يهيئ النفس على التأقلم مع الوضع الجديد.. وضع العمل الوظيفي.. فقط المدرسات والمدرسون وحدهم الذين سيمتد بهم الزمن إلى أكثر من شهر يقضونه في مرعى ومسعى مستفيدين من حالة الفراغ في تكييف أفنية القلوب مع الرحلة الجديدة حتى تنقضي الإجازة ويأتي اليوم الموعود وتدخل العصافير أقفاص التلقين.