من رحمة المولى عز وجل باليتيم، أن أمر برعايته والاهتمام به، وذكره سبحانه وتعالى في أكثر من موضع في القرآن الكريم، الذي حثنا على ضرورة تأمين حياة اجتماعية لليتيم تكفل له العيش بسلام وبرعاية لا تقل عن رعاية والديه اللذين فقدهما، وأن لا يشعر بأي نقص عن بقية أقرانه، فأولى القرآن الكريم أمر اليتيم عناية فائقة، واهتم بتربيته وبأمره من الناحيتين النفسية والمادية على السواء، حتى لا يشعر بشيء من الذل أو القهر أو الانكسار، وراعى القرآن الكريم هذه الحالة النفسية الدقيقة، كما جاء التوجيه من المولى عز وجل إلى عباده مباشراً بقوله: “فأما اليتيم فلا تقهر” (الضحى 9).
كما حثنا الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام على الرأفة باليتيم ورعايته، فقال: أنا وكافل اليتيم كهاتين، وأشار إلى السبابة والوسطى، في إشارة إلى قرب منزلة كافل اليتيم من الرسول صلى الله عليه وسلم، فعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن بكى اليتيم اهتز لبكائه عرش الرحمن، فيقول الله تعالى لملائكته يا ملائكتي من ذا الذي أبكى هذا اليتيم الذي غيبت أباه في التراب، فتقول الملائكة ربنا أنت أعلم، فيقول اللّه تعالى لملائكته: يا ملائكتي، اشهدوا أن من أسكته وأرضاه؟ أنا أرضيه يوم القيامة.
فمن تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف نستمد مبادئنا المتأصلة في نفوسنا، فرعاية الأيتام وتأمين حياة اجتماعية لهم أولوية مغروسة في نفوسنا ومنهج تسير عليه الدولة والقيادة الرشيدة التي أولت الأيتام رعاية منقطعة النظير، فسنت لهم القوانين والتشريعات التي تحفظهم وأموالهم وتؤهلهم لدخول معترك الحياة بقوة، دون نقص أو حاجة، كما أنشأت المراكز والمؤسسات التي تعنى بشؤونهم وترعاهم. ولاتزال الدولة تسير على هذا النهج منطلقة من مبادئها السامية، فكان إطلاق الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم مشروع قرية العائلة المخصصة بالكامل للأطفال الأيتام لتوفر المأوى والتعليم والرعاية الصحية والنفسية والتغذية لليتامى المحتاجين، ليكون المشروع أولى المبادرات الرمضانية التي وقع الاختيار عليها ضمن آلاف المقترحات التي تلقاها ضمن مبادرته الإلكترونية للمبادرات الرمضانية، وهو ما يعكس حرص ولاة الأمر بالدولة على تأمين الحياة الطبيعية لهذه الفئة من المجتمع التي أمرنا الله سبحانه تعالى برعايتها وحثنا رسوله الكريم على الحفاظ عليها، فجاءت مبادرة قرية العائلة لتكون منزلاً حقيقياً متكاملاً من الناحيتين المادية والمعنوية لتوفير الجو العائلي المستقر المتوازن للأيتام.
مشروع قرية العائلة هو مشروع فريد يؤمن كل احتياجات اليتيم، مثل تعيين أمهات بدوام كامل لكل مجموعة من الأطفال، لتوفير الرعاية والحب المطلوبين لهم، كما سيكون كل منزل عبارة عن وحدة مترابطة ومتكاملة من الأشقاء والأم، إلى جانب وجود عمات وخالات مساعدات، وهن جزء من حياة الأطفال اليومية، بالإضافة إلى جدة تشرف على النظام بشكل يومي في القرية.


m.eisa@alittihad.ae