البعض سيغضب ويكفهر، ويستعر لارتفاع أسعار الجازولين وسوف يقف عند محطات التزويد، ساهماً، متفاقماً، يحك صدغه بطرف سبابته، وينظر إلى عامل التزويد، بعين حمراء وقد يعرق جبينه، رغم برودة مكيف السيارة.. هذا البعض سيجد أن في ارتفاع الأسعار، حداً وتقييداً، لجولاته وصولاته ومشاويره التي لا نهاية لها في الشوارع الفسيحة، هذا البعض سيشعر بالاختناق، لأن سيارات الدفع الرباعي، «تشفط» البنزين، مثلما يلعق كائناً ضخماً ظمآناً الماء العذب، ولذلك سيضطر إلى تخفيف حدة سحق العجلات على الأسفلت، وكذلك تقليل التسكع بلا هدف ولا معنى هنا وهناك.. وبصرف النظر عن الأهداف الاقتصادية الإيجابية جداً من قرار الرفع، فأنا أرى أن هذا القرار فيه محاولة ولو بسيطة لتهذيب سلوك البعض، ووضع حد للأساليب الاستهلاكية التي أمعن البعض على انتهاجها، وإيقاف النزيف الاقتصادي لبعض الأسر التي ابتليت بشباب أصبح من هواياتهم الأساسية التأرجح على قضبان الحديد الساخن.. وأعتقد أن البعض سوف يغضب من هذا الكلام ويعتبره مجازفة خاطئة للدخول في المناطق المحرمة، ولكن لا ضير، فالواجب الوطني والإنساني يقتضي منّا أن نتصارح وأن نعبر عن همومنا بفصيح العبارة من دون لغط أو شطط. وعلى الشباب بالذات أن يعوا جيداً بأن العالم تغير وأن سلوك «هات» لا تنفع مع عصر الإنتاج والتقدم، فلا بد وأن يعي كل واحد منا واجباته تجاه نفسه وأسرته ووطنه، كما يطالب بحقوقه، ولا حقوق لمن لا يعرف الواجب، وهكذا هي الحياة.. ثم إن رفع الأسعار لو دقق فيه المخلصون سيجدون أنه في خدمة اقتصاد البلد، هذا البلد الذي أصبح يضم كل الأزهار بألوانها وأشكالها، وليست زهرة المواطن وحده، لذا فإن الشراكة الاقتصادية تتضمن أن يكون كل إنسان في وسط الدائرة، يشارك في العطاء، كما يشارك في الأخذ، فإذا كان البلد سخر جل الإمكانيات الأساسية والترفيهية للمواطن والمقيم، فعلى الجميع أن يكونوا شركاء في دفع فاتورة هذا التقدم الفريد الذي تشهده الدولة، حيث اتخذت المكان الرفيع على مستوى العالم، في الخدمات والعطاءات.