الواقع المتردي الذي تعيشه لغتنا العربية الجميلة، دفع خطباء يوم الجمعة الماضي إلى حث الآباء لتعويد وتشجيع الأبناء على التمسك باللغة التي أنزل الله بها كتابه المجيد، بلسان عربي مبين· جاءت هذه الدعوة النبيلة - بقصد أو دون قصد - بينما كان العالم يحتفل بيوم اللغات الأم، وهو اليوم الذي خصصته الأمم المتحدة للتذكير باللغات التي انقرضت أو تلك التي هي على وشك الانقراض، والتوعية بضرورة المحافظة على اللغات الأم باعتبارها عنوان هوية وحضارات الشعوب· الخطبة الموحدة أوغرت جرحا ماثلا أمام العيان، ويتعلق بواقع ''الجميلة''، رغم كل الجهود الرسمية والمبادرات الفردية التي تظهر هنا وهناك، وبالأخص الجهد المطموس الذي تقوم به على استحياء الجمعية التي أخذت على عاتقها حماية اللغة العربية· ولكن أنى لجمعية أو أفراد محدودي الإمكانات والموارد أن ينهضوا بمهمة جسيمة وجليلة كهذه في مجتمع كمجتمعنا غدا فيها ''الفتى العربي غريب الوجه واليد واللسان''؟! وأنى للآباء أن يتفاعلوا مع هذه الدعوات والتمنيات الطيبة، والغالبية العظمى في لهاث دائم لإدراج أبنائهم في المدارس التي تطبق المناهج الأجنبية، وجارت وزارة التربية والتعليم ''الموضة'' بتعزيز الانجليزية، وتفننت في وضع الامتحانات الخاصة بها ومراعاة اجتيازها لضمان النجاح، وكذلك جامعاتنا وكلياتنا الوطنية، وأصبحت اللغة الانجليزية هي الأساس في جميع الأحوال والظروف سواء للتقدم لامتحانات القبول دور التعليم العالي او للالتحاق بوظيفة· وعلى الرغم من قرار مجلس الوزراء بإعادة الاعتبار للغتنا الأم، إلا أن الأمر بلغ بمؤسسات ودوائر رسمية أن توزع بياناتها الصحفية وتعاميمها بغير اللغة الرسمية للبلاد، وقد جاء التبرير غريبا، بأن هذا التدبير من فعل شركة العلاقات العامة الخاصة التي كلفت بالإشراف على المؤتمرات والبيانات الصحفية لتلك الجهات· إلى هؤلاء أهدي واقعة شاهدتها بنفسي لدى زيارة أحد الوزراء الغربيين لبلادنا، فقد جلب معه من بلاده مترجمه الخاص للعربية، وفي المؤتمر الصحفي كان الوزير الضيف يتحدث بلغته، ومترجمه يترجم للعربية فقط، فأراد صحفيون ومراسلون أجانب الاحتجاج والمطالبة بترجمة للانجليزية، فما كان من الضيف إلا أن ذكرهم بأنهم في بلد عربي، وهو غير ملزم بما يطلبون· الواقع الحالي للغة العربية لن يتغير طالما أن البعض ينظر اليها على انها قضية تخص ''متقعرين'' في اللغة، ويريدون إعادة عجلة الزمن للوراء، متناسين أن الإصرار على التمسك بها إنما هو تعبير على التمسك بهويتنا الوطنية، وأن التفريط بها هو تفريط بهوية وطن، وترك أبنائه تتجاذبهم لغات وثقافات، تنال من لغة وثقافات أهل البلاد· وهذا الواقع المرير للغة الرسمية بحاجة الى تفاعل واهتمام ومتابعة جادة وعملية من الجميع، وليس فقط انتظار تعميم يصدر هنا أو هناك، أو اعتبار الأمر موسميا لا نتذكره إلا في المناسبات الاحتفالية· وفي مقدمة هذا التعامل ما يجب أن تقوم به الجهات الرسمية من رفض لأي مخاطبة بغير العربية، وتعريب مهنة الخطاطين للحد من الأخطاء الماثلة أمامنا في أغلب اللوحات واللافتات التجارية على المباني والشركات ودون ذلك سنظل كما لو أننا نؤذن في مالطا·