حقائق مؤلمة كشفت عنها التحقيقات الجارية حالياً في قضية غرق سفينة الحوت الأبيض قبالة سواحل أم القيوين، في أكتوبر العام الماضي، وظلت قابعة في أعماق البحر ثمانية أشهر، وهي تحمل 450 طناً من مادة الديزل، قبل أن يتم انتشالها الشهر الماضي.
ولعل في مقدمة تلك الحقائق، ما أعلنت عنه الشركة المالكة خلو السفينة من الديزل عقب انتشالها، أي أن كامل حمولتها تسرب للبحر، وألحق أضراراً بالبيئة البحرية، وأثر على حياة الصيادين. مما يجعل المرء يتوقف أمام تلك التصريحات والتسويفات التي غمرتنا بها وزارة البيئة والمياه، منذ الواقعة وحتى إتمام عملية الانتشال التي كنا قد اقترحنا أن تكون موضوعاً لمسلسل رمضاني، إثر الفترة الطويلة التي استغرقتها العملية. وكشفت ضعف إمكانات وزارة البيئة أمام حادث بهذا الحجم. والتلوث الذي يتسبب فيه، وعلى عمق يقدر بأكثر من 35 متراً تحت الماء. وقد تكفلت بعملية الانتشال الشركة المالكة التي استعانت بالسفينة” العملاق”، والتي بدورها كانت في حالة شد وجذب مع المد والجزر وتقلبات الطقس، والتي أعلنت أن العملية كلفتها نحو أربعة ملايين ونصف المليون درهم.
اليوم والتحقيقات قد شهدت توجيه النيابة العامة في أم القيوين 5 تهم للمالك وقائد سفينة “الحوت الأبيض”، فإن شفافية وصدقية الوزارة وضعت على المحك أمام الرأي العام الذي تابع هذه القضية باهتمام يتناسب مع أهمية البحر بالنسبة لنا، والذي نتعامل معه كمصدر مهم في تعزيز الأمن الغذائي من جهة، والاعتماد عليه باعتباره من شرايين الاقتصاد الوطني وحركة الملاحة البحرية في منطقتنا.
لقد كشفت التحقيقات والتهم الموجهة لمالك وطاقم السفينة دخولها للبلاد من دون أن تتوافر لديها أبسط الاستعدادات والجاهزية لنقل حمولة من هذا النوع. وكذلك عدم اعتمادها كسفينة لنقل الديزل، وفي الوقت ذاته لا تحمل وثائق خاصة بصيانتها، بحيث لا تتسبب في تلويث البيئة البحرية، أي أنها بلغة أهل البيئة” غير صديقة” وإنما “عدوة” لهم. ومع هذا دخلت البلاد، وجرى ما جرى من وقائع بعد ذلك.
إن الوزارة مدعوة لتأكيد جديتها في معالجة مثل هذه القضايا بإبداء أعلى قدر من الشفافية والانفتاح على الرأي العام، بعيداً عن التصريحات البراقة وتلميع الأدوار والمهام. واطلاع الجمهور على حقيقة الأضرار التي ترتبت على حادثة يفترض أن تكون مقدمة للمزيد من التنسيق وتكثيف التعاون بين مختلف الجهات المختصة، وفي مقدمتها الهيئة الوطنية للمواصلات، وكذلك إدارات الموانىء لوضع قائمة سوداء بالسفن التي لا تلتزم بأبسط معايير السلامة، وحماية وصون البيئة البحرية من أي عبث.
إن غياب التنسيق سيشجع على تكرار مثل هذه الحوادث، وكذلك تجرؤ العديد من السفن العابرة على التخلص من نفاياتها في مياهنا الإقليمية.
نتمنى بالفعل أن نسمع من أصحاب التصريحات الأنيقة في” البيئة” كيف ابتلع”الحوت الأبيض”450 طناً من الديزل، دون أن نلحظ آثاره في الأسماك حتى الآن؟


ali.alamodi@admedia.ae