كتبت إحدى الأمهات تقول “قرأت مقالك عن المدرسة الفرنسية وأعجبت كثيراً بالموضوع وتواردت لدي استفسارات أكثر حوله، ويأتي اهتمامي بالموضوع لأن ابني ملتحق بمدرسة أجنبية، وقد لاحظت اهتماماً كبيراً من قبلهم بمادة اللغة العربية، وبشخصية الطالب وتنمية مهاراته الاجتماعية والعلمية منذ سنين الطفولة الأولى”، وللرسالة تكملة لكنني اكتفي بهذا القدر منها، فأنا لا علم لي باستراتيجيات المدرسة الأجنبية التربوية على وجه التحديد، لكنني رأيت جانباً أثار اهتمامي أثناء زيارتي للمدرسة، لاعتبارات لها علاقة باهتماماتي التربوية، ولقناعتي بخطورة وأهمية دور المعلم في حياة الطالب، فأحببت أن أضيء على هذا الجانب الذي رأيته.
من حق كل أم أن تعرف الكثير عن البيئة المدرسية التي يتلقى فيها ابنها تعليمه وتربيته ومفاهيمه الأولى، التي ستكون القاعدة الأساسية التي سينطلق منها لمعرفة العالم والمجتمع، وهذه الأم - صاحبة الرسالة - أحبت وباهتمام واضح، رؤية الزوايا الأخرى للمدرسة من وجهة أناس آخرين، لتتيقن من حقيقة الطريق الذي سيسلكه ابنها خلال سنوات عمره المقبلة، وهو اهتمام مشروع ومقدر جداً، فالأسرة التي تتابع تفاصيل المدرسة والبيئة والمنهج واستراتيجية التربية ومنهاج التعليم وسلم القيم الذي يتم تدعيم شخصية الطالب من خلاله، عائلة تعرف تماماً لماذا وضعت ابنها في المدرسة، ولماذا يجب أن يتعلم هذا الابن وماذا يجب أن يتعلم على وجه الدقة، هذه العائلة تستحق التقدير بالفعل.
لست بصدد الحديث عن المدرسة الفرنسية وإن كانت زيارتي إلى هناك قد فتحت لي الباب لطرح المزيد من الأسئلة عن الواقع التعليمي وعن حقيقة الشخصية التربوية والقناعات القيمية التي يجب أن تتوافر في المعلم أو المعلمة ، فالتدريس ليس وظيفة - وإن كان مهنة عظيمة - إلا أنه ليس مجرد وسيلة استرزاق وينتهي الأمر، فحين يصير التعليم وظيفة كأي وظيفة، يتوجب علينا أن نتوقف عن مطالبة المدرس بقائمة الطلبات المتعلقة بالتربية والضبط الأخلاقي ومنظومة القيم والمعايير التي يجب أن يتحلى بها المربي تحديداً، وتفعيل فكرة القدوة، وقناعات أخرى كالانتماء والثقافة العالية و ... الخ.
نحن نطالب المعلم بكل ذلك، لأنه شخص مختلف ومتميز وصاحب رؤية، فحين لا يجد في المنهج الرسمي ما يلبي احتياجات الطالب، ويوسع أفقه ومداركه، فإن عليه أن يسد النقص سريعاً ، أما الذين ينتظرون تعليمات المدير فهم الموظفون البيروقراطيون، والمعلم ليس كذلك، ولذلك أكبرت أولئك المعلمين الذين يلجأون إلى القراءات الخارجية ومقالات الرأي في الصحف ليحولوها إلى موضوعات ونصوص للقراءة والتحليل بين طلابهم في فصول اللغة العربية.
إن هذا التوجه يوسع دوائر الاهتمام لدى الطلاب من خلال تعاطيهم الدائم مع الصحف التي تعتبر إحدى نوافذنا التي تشكل صورة الواقع الذي نعيشه، كما أن التعرف إلى الكتاب والصحفيين ورسامي الكاريكاتير وغيرهم، أمر مهم يزيد من منسوب الإحاطة بالواقع الذي يتحرك فيه الطالب، ويخدم فكرة تعزيز الناتج الابداعي الإماراتي، كما وينمي فكرة النقد والعقلية الموضوعية مبكراً لدى هؤلاء الطلاب.


ayya-222@hotmail.com