"يا قوم أذني لبعض الحي عاشقة.. والأذن تعشق قبل العين أحيانا".. بيت شعر عربي، لكنه ليس مجرد شعر عربي هبط من خيال شاعر، فكم شاعر وغير شاعر وقع في هذا المطب، مطب العشق سمعا، والتعلق بالصوت قبل الشخص لدرجة الهيام ولدرجة رسم الصورة والملامح والتفاصيل وأحيانا لون الثياب ولون البشرة اعتمادا على ذلك الصوت دون الاستناد على أي دليل، فما أدرى عاشق الصوت أن صاحبته بذاك البهاء الذي يتخيله أو بذاك الحسن الذي يكاد من فرط تأكده منه يرسمه ويتحدث عنه لأصدقائه وأصحابه، ومن أدرى تلك الفتاة المراهقة أن صاحب الصوت الذي يهمس في أذنها هو بالفعل كما تعتقد جميل وسيم وواثق الخطوة يمشي ملكا؟ ألا يمكن أن يكون عكس ذلك تماما؟ حكى كاتب صحفي أن امرأة عذبة الصوت ظلت تحدثه زمنا طويلا وظل هو يلح في طلب مقابلتها لفرط إعجابه بها، متخيلا أن صوتا بهذه العذوبة لا يمكن أن تكون صاحبته سوى أنثى باذخة الجمال بطبيعة الحال، وبينما كان إلحاحه يزداد يوما إثر الاخر، كان تمنعها يزداد صلابة بمرور الأيام حتى تفتق ذهنه عن حيلة أشرك فيها صديقه المقرب الذي احتال على المرأة بطريقة ما دون أن تعرف صلته بالكاتب، وحين جاءت لمقابلة الصديق كان الكاتب يتوارى في مكان قريب، لكنه بمجرد أن شاهد حبيبته المفترضة أحس كأن سقف السماء قد هبط عليه لشدة صدمته، فلا جمال ولا عذوبة ولا بذخ ولا هم يستبشرون، بل هم يحزنون· لقد تبخر الصوت العذب، اختفى تماما وشنقت صاحبته ولابد عبر أسلاك الهاتف، يوم لم يكن هناك هاتف مرئي وكاميرا حاسوب يضعان الإنسان أمام الحقيقة أولا بأولا دون أي داع لإعمال الذهن والخيال والهيام بفكرة يصنعها صاحبها ثم يصدقها بل ويؤمن بها حتى يكاد يعبدها، بينما الحقيقة وبمنتهى البساطة: صوت عذب ركب على ملامح لا تمت للعذوبة بصلة !! حدث ذات زمن بعيد حين كان اصحاب الهاتف في إحدى القرى العربية يتواصلون بالهواتف الأخرى عبر الهاتف المركزي بالبلدة، أن عشقت فتاتان صغيرتان صوت موظف السنترال حين كانتا تتصلان عبره بهواتف العائلة، ثم تطور الأمر فصارتا تتصلان لسماع الصوت ليس أكثر، ثم تطور ليتحول السماع إلى إعجاب ومن ثم غرام مراهقتين لا تعرفان من أمر الدنيا شيئا ولا من تفصيلات الغرام سوى صوت رخيم لن يكون صاحبه سوى أجمل شباب القرية حتما، هكذا سارت الأفكار بتلكما الصغيرتين، حتى كان يوم جاء فيه الفارس الموعود لزيارتهم وقد وقفتا تنظران كأنهما بانتظار عيد أو أمير عائد، فإذا الفارس ضباب مراهقة لا أكثر وإذ لا فرس ولا سيف ولا شيء على الإطلاق ·· وهرب الحلم من أقرب شباك من شبابيك الدار الكبيرة سارقا الفرح والنزق والغيرة والانتظار ·· صارتا تعرفان أن الصوت قد يذهب خطأ جهة القلب، لكن من رأى ليس كمن سمع !! ayya-222@hotmail.com