ليس هناك ما يقال عما يحدث في حبيبتنا جمهورية مصر العربية التي يلامس فكري نسيم ربيعها البديع فتطوف في خاطري صور لبشر يسعون لكسب لقمة العيش الشريف، فهذا يجتهد في ندائه للمارة، أو يكنس الشارع بذمة وضمير، أو يتعلق في أطراف الحافلات، أو يتكدس مع الآخرين في ناقلاتِ صغيرة، أو ينظف الطاولات و يرش الماء أمام المحال، أو يقرأ القرآن و يتعلم ترتيلة في الأزقة والممرات، أو يلمع أجراس الكنائس، أو يصفق على ظهر عوامات صغيرة تجوب شبراً من مساحة نهر النيل... هذه حبيبتي مصر... التي أجلس على «سُكريتها» فيحضر لي عم عبدالله الشاي الكُشري... ثم أذهب إلى فول وفلافل الجحش... أو كشري أبو طارق أو التحرير فأجلس مغمورة بمصر و أهل مصر. هذه نشوة لا يحققها إلا عشقي لبلادي و لمصر من ذلك نصيب. وصرت ابحث عن العلاقة بين الكشري الذي نأكله والشاي الذي نشربه وقد تقاسما نفس التسمية. فوقف أمامي واقعٌ لا يمكن تجاهله إن كلمة كُشَـري هي في الأساس «كِـشري» من مشتقات من اللغة السنسكريتية وتعني الأرز مع العدس جلبها إلى مصر الجيش البريطاني في أواخر القرن التاسع عشر. ولقد سبق أن ذكره ابن بطوطة في كتابه تُحفة النُّظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار بوصفه للهنود بأنهم «يطبخون الُمنج مع الأرز ويأكلونه بالسمن ويسمونه كشري «بالكاف والشين المعجم والراء»، وعليه يفطرون في كل يوم. «والُمنج» بميم مضموم ونون وجيم هو من أنواع الماش إلا أن حبوبه مستطيلة وهو صافي الخضرة. وعدت إلى سؤالي الذي أجابه السيد حازم: «نُطلق تسمية شاي كشري على الشاي اللي من غير فتلة، والشبه بينه وبين الكشري أنك لما بتعمله بتحُط مكوناته فوق بعضها زي الكشري تماماً، يعني بتحط الشاي أبو نشارة الخشب وعليه السكر ولما تغلي الميه بتصبها عليهم ده بأه الشاي الكشري و هي الفكرة نفسها يعني زي ما بتحطي المكرونة وعليها الرز و الدقة وبتاع...»، فقلت: هنالك منطق و هنا تاريخ و بِدونهما لا تحيا الحياة. وقبل إفطار اليوم السادس من البيض رفعت يدي إلى فاطر السموات والأرض بأن ندخل مصر آمِنين لنُصلي قريباً في مسجد السيدة زينب ونتغدى في كشري التحرير ونأكل ترمس وذرة ولب على شط النيل. وانهال عليّ وابل الذكريات وصوره الثابتة وصوت كوكب الشرق تُنشد: أنا في انتظارك وشادية عندما باست القمر وفايزة أحمد وقلبها يميل وعفاف راضي تتغنى بالهوى ونسمة الصيف وأم البطل في حارة السقايين و محمد قنديل ثلاث سلامات و محرم فؤاد يصدح: «يا وحشني ردّ عليّه / أزيك سلامات/ أنا أحبك أدّ عينيه/ والعمر في حبك فات»... فتنهدت بحسرة... ... وقلت في خاطري: كل هذا الحب والإبداع في مصر؟ وفي مصر لكل مشكلة حل وتحليل! نعم، صبراً جميلاً والله المستعان. وليس غريباً أن بادر صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله بحملة «مصر في قلوبنا» التي تُعــبر عن رؤى الحكومة الرشيدة وشعب الإمارات؛ فمصر وبأي صورة كانت لا تفارق أنفاسنا وتسكن في وجداننا وتتحدث مع قلوبنا التي تسكنها بلا شروط أو قيود. عاشت مصر حرة أبية... وعاش شعبها رمزاً للعروبة و الفداء. bilkhair@hotmail.com