عرفنا في علم النفس عقدتين، عن طريق المدعو سيجموند فرويد، عقدة أوديب وعقدة إلكترا، والآن عبر الحداثة العولمية، بدأت تترسخ لدى شريحة واسعة من أبناء الحبكة اللغوية المائلة، عقدة انجلس، هذه العقدة مبنية على لغة مستنسخة، شائهة، مقلوبة اللسان، مثلما يحدث للقوارب البحرية التي تصيبها العواصف بعاهة، فيغوص باطنها في الماء، ويبرز ظهرها في السماء، ويضيع ركابها في تيه المسارات الغامضة، فاليوم عندما تتحدث مع إنسان من أم وأب عربيين، تغيب عنك هوية هذا الشخص لمجرد أنه يستغرق في الكلام، فيبدو لك فجأة من الببغاء يُقلد، ولكن برداءة لغة منسوخة من معجم لولبي، لا يفسر، ولا يفصح، ولا يوضح، ولا يشرح عن شيء سوى عن عقدة نقص كامنة في نفس هذا الشخص، فيجعلك في حيرة من أمرك وأمره، وتبدأ في التساؤل، ما سبب هذا الالتواء في اللسان؟ وما شكل هذه اللغة الجديدة التي ينحرها هذا الشخص بسكين اللهوجة، وبعثرة المعنى في خضم لهاث إلى حداثة ليس هذا المقام مكانها، ولا مبرر لاستخدام كلمات نصفها عربي، والنصف الآخر نصف عربي، وما بين الأنصاف ينتصف المعنى، وتتدهور الدلالة، فلا أنت فهمت ما يفوه به هذا الشخص، ولا هو استطاع أن يقنعك بأنه شخص لبق وأنيق، في خطابه لأن محاولة تسلق الجبال بحبال مهترئة، سوف تودي بحياة المغامر الأبله، وتجعل من مصيره مثل مصير عباس بن فرناس.
وأعتقد أن لغتنا العربية غنية بما يكفي بمفرداتها ومعانيها، ومحسناتها البديعية، وأفعالها المرفوعة والمنصوبة، ولا داعي أن نجرها إلى حيث تستوطن التأتأة، ولا داعي ننصبها على لوح الإعدامات المريعة، ولا داعي نرفعها بعيداً عن مضارب قبيلتها الوطنية، ولا داعي أن نكسر أجنحتها، كي لا تحلق ألسنتنا في فضاء الجمال اللغوي، التي حظيت به هذه اللغة الإنسانية العظيمة، واستخدام لغة الآخر أمر جميل ورائع، إذا تم الاستخدام في محله، فاللغة كائن حي لا يمكن أن تبذر نطفه في كل مكان، بل إن احترام اللغة هو من صميم احترام الذات، وتقديس لغة الوطن، أما هذا الاغتراب، واستلاب اللغة من مكانها لتصبح مثل أرنب مذعور، فهذا إسفاف وتعسف بمصير الهوية.
عندما نكون نتحدث بلغتنا، نكون قد نقينا وجدان اللغة من أي نخالة قد تصيبها، جراء الرطانة المؤذية للأسماع والذوق.