تعجب الخبير الياباني من كلام الصحفي العربي المنكوب، عن تعطيل المدارس وإغلاق المصالح، إن زار بلادهم رئيس، وشك من كلامه أنه من صحف المعارضة أو من أولئك الناس الذين لا يرون إلا السواد في الأمور، والفراغ في الكؤوس، ويحبون أن يكونوا على الطرف الآخر دائماً، فسأله إن كان من دولة أفريقية، وكم تبلغ نسبة الأمية فيها؟ هنا·· ضحك الصحفي العربي المنكوب لأول مرة، وكاد يقسم الكثير، أنه شوهد يقهقه حتى بانت نواجذه أو كاد أن يستلقي على قفاه من شدة الضحك، وكأنه أبلغ حينها أن قضية الشرق الأوسط قد حلت في الحال والتو، فرد على الخبير بتهكم هذه المرة، قائلاً: يا سيدي·· جسور معلقة، وشوارع خارجية، ومراكز تجارية، وبنوك عالمية، وحركة اقتصادية حرة، وإعلام دولي، وتقول لي أفريقيا، هزّ الخبير الياباني رأسه، ودوّن شيئاً في مذكرته، وبدا معتذراً كعادته دائماً، فاغتنمها الصحفي فرصة، لأنه ليس في كل يوم يلاقي خبيراً ويابانياً، فطلب منه أن يعد على أصابعه علل مجتمعنا العربي، بدأها بـ ''نّان الموتر سيكل'' الذي يمكن أن يسكّت بلداً، ويمكن أن يقفل بلداً، ويمكن أن يجعلك سالكاً سابحاً في أكثر المدن زحمة وتزاحماً، وان مؤتمراً يتباحث في أمر المتضررين بمجاعة القرن الأفريقي، يمكن أن يستنفر الأجهزة الأمنية، ويلغم المدينة بأكملها، ويصل إشغال الفنادق إلى آخره، وأن سقوط بنت وزير في امتحان الجغرافيا مثلاً، يمكن أن ينذر بهطول مطر وهبوب رياح شديدة ومتوسطة على كافة مناطق الدولة، وأن غضب مسؤول أمني أو نفطي أو زراعي أو كابتن المنتخب الوطني، يمكن أن يعطل ساعات العمل والجد والاجتهاد في كافة الدوائر الحكومية في العاصمة، وعلى القاطنين خارجها مراعاة فروق التوقيت، وأن خروج المنتخب الوطني من تصفيات كأس العالم، يجعل كل المواطنين الأشاوس في حالة إخفاق، تؤدي إلى يأس وإحباط وتفنيش المدرب وإرجاعه إلى بلده بـ''لنش'' خشب، ويمكن بعدها أن نحول المنتخب كله إلى فريق للرجبي· أما إن كانت مواسم الحصاد، وإجراء الانتخاب، وترشيح المرشح الأوحد، ضامن النتيجة، والمجد الأعظم، ومهيمن على كتل الشمال واليمين، مناصر الحق، ورافع راية الدين، ففي الأيام السمان تلك·· يتوقف كل شيء، ويتعطل كل شيء، ويؤجل كل شيء، إلا ما يؤثر على نتيجة الاقتراع أو يميل كفة على أخرى، فالغاية بلوغ النسبة العليا، وذلك الرقم الذي لا يقبل القسمة على اثنين· هنا·· صاح الخبير الياباني قائلاً: يؤسفني وبرغم كل الاحترام، أن أؤكد لكم - أنتم معشر العرب- أنكم بحاجة إلى خبير في كل شيء، فالبداية لم تكن على أساس، أو ربما استعجلتم، وخلطتم حابلها بنابلها، ولم تستعينوا بأصحاب الرأي والمشورة، وقربتم جاهلكم بإخلاصه، وأبعدتم ناصحكم رغم حرفيته، وأسكبتم لبنكم أو أضعتموه في الصيف، وجففتم منابع مائكم، وتسابقتم على المرأى دون الرؤية، وتكالبتم على الزينة والخزينة، وفرّطتم في الشيمة، لذا فحاجتكم في كل مجال إلى الخبراء·· إلا في اللطم، والعويل والبكاء··