في اليومي من الحياة المعاصرة وما تشهده من تبدلات على مستوى المفاهيم والقيم والثورة التقنية والمعلوماتية، أصبح الشكل وبالتحديد المظهر الخارجي للإنسان يحدد هوية الشخص، بحيث اختلفت موازين القيمة التي يقاس عليها جوهر الخطاب المتبنى من قبل أفراد أو من قبل جماعات متمترسة في خلية أو نظام أو فكر. فالشكل حالياً لرجل بلحية طويلة وثوب قصير، يشير في الغالب مباشرة إلى الانتماء لجماعة متطرفة تتبنى خطاباً تكفيرياً إقصائياً. هذا ما بات يعرفه كثير من الغربيين عن هذا الشكل الذي يمثل غالباً الإسلام بالنسبة إليهم، وذلك نظراً لما تنقله وسائل الإعلام من أفعال متطرفة ووقائع مشينة تقوم بها الجماعات المتطرفة في المنطقة العربية والإسلامية تحديداً باسم الجهاد والدين، أفعال لا تنتمي لشيء سوى للذات المريضة حد التشوه الفج الذي يرعبها نفسها حين تشاهد انعكاسه في المرآة. وهذا أيضاً ما أصبح ينظر إليه الإنسان العادي في المجتمعات العربية والإسلامية حالياً، حتى إن نسبة كبيرة من الأطفال تحدد وتصنف هذا الشكل لمجرد النظر إليه، وذلك طبعاً نتاج تأثيرات الإعلام خاصة المرئي منه. وبذلك تحول ذلك الشكل الذي ارتبط ماضياً في الذهن الجمعي الشعبي بأنه يمثل شيخ الدين الطيب المسالم الوقور الناصح برفق، أو يمثل الحكيم، أو المفكر، أو الفيلسوف، الذين يتبنون خطاب السلام والرقي والتطور والدعوة للخروج من الأوهام الرجعية إلى النور.. إلى الحياة، تحول إلى شكل مرتبط بالظلامية والرجعية والتخلف على نطاق واسع من العالم. لكن الحقيقة وعند التأمل بعمق في خطورة الخطاب والشكل، فإنهما في الحقيقة لا يرتبطان بالضرورة ببعضهما بعضاً، ولا يدللان على شكل محدد للفعل الإنساني؛ فبالنظر إلى تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر، نجد أن الخلية المنفذة للتفجير لم تكن طوال التخطيط للعملية وتنفيذها تظهر بشكل الجماعات الإرهابية التي تعيث فساداً في بعض المناطق العربية حالياً؛ وكذلك في الغرب ذاته لا يوحي الشكل المدني والمتحضر بأن أصحابه يتبنون خطاباً إقصائياً قمعياً عنصرياً متخلفاً. لكن في حقيقة الأمر إن الشكل المتمدن والمتحضر لدى البعض يخفي في أعماق صاحبه قبحاً وكراهية وعنصرية فجة يُعبَر عنها أحياناً في أفعال وأحياناً أخرى في ألفاظ. فمن هنا لا يستوي تحديد الخطاب وتصنيف هوية البشر بالمطلق بناءً على الشكل، وإن جانب في بعضه الحقيقة. ومن هنا على من يعلنون عبر الشكل أنهم يمثلون هوية ما أو ينتمون إلى فئة ما، أن يحسنوا السلوك ويقدموا نموذجاً حضارياً لانتماءاتهم التي قرروا أن يعلنوا عنها عبر الشكل، حيث بسلوك أهوج أرعن يمكن أن ينمي شيئاً من العداء أو الكراهية في قلب شخص لا ينتمي إليهم سواء بالجنس أو بالدين أو بالفكر ويجعلوه يتبنى فكرة ويعممها على فئة من البشر. هذا لا يجوز، كلا السلوكين لا يجوز (من المرسل وردة فعل المتلقي)، حيث المبدأ في العلاقات يجب أن يكون منطلقه المحبة والقدرة على تقديم أجمل ما لدينا في فن السلوك والعلاقات البشرية.