من مميزات جائزة نوبل للآداب كل عام أنها تقدم لنا شخصية كاتب أو شاعر قد نعرفه، وقد لا نعرفه، ربما توقفنا قليلاً أو كثيراً عند أعماله، أما ترجمته للعربية ففي الغالب أنها غير موجودة، نتيجة الضعف والكسل الشديد في الترجمة للعربية، ولعدم أخذ العرب بوصية أجدادهم الأولين حينما كانوا يزنون وزن المترجم ذهباً، لكن ما أن يصبح الكاتب «نوبلياً»، حتى تجد الناشرين العرب يتراكضون عليه، وعلى أعماله، وربما «يخنصرون» من ورائه بعيداً عن أي ملكية فكرية، وحقوقها المجاورة، لكن بعد أن يكون قد رجع الحجيج، وهي عادة لا نملك تجاهها أي تغيير، فنحن السبّاقون للهو، البعيدون عن صعيبات الأمور، بحيث بعد الإعلان عن الفائز بجائزة نوبل تجد الكثير من المنظرين والنقاد العرب يدبج له، ويمدح، وربما يقول لك إنه متخصص في أدب هذا الكاتب العالمي، لكنه «خريط عربان». الفائز بجائزة نوبل للآداب هذا العام هو الروائي، والكاتب الفرنسي «باتريك موديانو» البالغ من العمر تسعة وستين عاماً، قضاها في الكتابة والاشتغال بالأدب والفن، لكنه في دواخله كان يريد أن يكون حراً، فالكتابة بالنسبة له مرهقة، وكمن يسوق في وقت ضبابي مغبش، من مزاياه الكثيرة أنه مخاصم للظهور الإعلامي، وكثير الحكمة في القول، حتى إنه رفض الترشيح ليكون عضواً في «مجمع الخالدين»، ولد عام 1945 في ضواحي باريس الغربية، أي أثناء الحرب العالمية الثانية، وبالتأكيد هو نتاج الغزو النازي لفرنسا، وما يحمله من انكسارات في النفس ستظل حتى يرحل آخر المحاربين في المقاومة الفرنسية، هو من أصول إيطالية، بلجيكية، يهودية، أبوه «ألبرتو موديانو» إيطالي، ينتمي للبوليس السري الألماني، وأمه الممثلة البلجيكية «لويزا كولبين»، لم يكن مستقراً عائلياً، خاصة بعد وفاة أخيه «رودي» عام 1957، فهجر أمه التي كان ينعتها بالقلب البارد، وأباه الذي خاصمه، لكنه أهداه جل أعماله، وانعكس ذلك في كتاباته التي يشوبها الغموض، والشك في الحب تجاه الآخر، والأشياء، حتى ظهر مصطلح أدبي جاء من اسمه العائلي «Modianesque» والذي يعني بالفرنسية الغموض بشأن الأشخاص أو المواقف، تخصص في نبش ذاكرة الاحتلال الألماني لفرنسا أعوام 1940- 1944، وإفرازات الحرب العالمية الثانية، وما أنعكس على حياة باريس والباريسيين، والذي ظل ينحت منها أعماله الأدبية، وقبل جائزة نوبل لعام 2014، فاز بأهم جائزة أدبية فرنسية الـ«غونكور» عن روايته «شخص مفقود» أو «شارع الدكاكين الضيقة» عام 1978، وجائزة الدولة الكبرى عن مجمل أعماله البالغة ثلاثين كتاباً، عام 1996، وجائزة الأكاديمية الفرنسية عن روايته «الطرق الدائرية»، أما أول إصدار له فكانت رواية «ساحة النجمة» عام 1968، وآخر كتاب صدر له ترجمة لسيرته الشخصية، لعل هذا الفوز سيدعم حركة التجديد والتجريب في الأدب الفرنسي كشأنه القديم.