من خلال الكم الكبير من الدراسات الإعلامية ومن رسائل الماجستير والدكتوراه التي اطلعت عليها، خلال إعداد الدراسة الأخيرة حول أوضاع الصحفيين في الإمارات بدا واضحاً أن الإعلام الجديد أو إعلام المواطن كما يطلق عليه يحظى باهتمام غير طبيعي، في دوائر الباحثين والدارسين في الغرب وبدرجة أقل لدى نظرائهم في الشرق، والسبب يعود أولاً إلى أن الإعلام كحقل علمي وكاختراعات ووسائل في أساسه إفراز المجتمع الجماهيري الصناعي في الغرب، أما ثانياً، فبسبب نظرة التقييم العالية التي تولى للإعلام هناك لتأثيره وخطورة أدواره. الإعلام الجديد، شبكات ومواقع التواصل الاجتماعي، الإعلام الاجتماعي، إعلام المواطن، كلها تقود إلى شيء واحد، هو الإعلام الاجتماعي الجديد: المدونات، المنتديات، اليوتيوب، الفيسبوك وتويتر وماي سبيس وغيرها، حيث تستقطب هذه المواقع كل نخب وشرائح وأفراد المجتمع بلا استثناء، فليس من الطبيعي اليوم أن لا تحظى بحساب على واحد من هذه المواقع، وإذا لم تدخل إلى حسابك مدوناً أو مغرداً ومتفاعلاً مع غيرك من المدونين والمغردين، فأنت لست موجوداً، أو أنت مفقود أو غائب عن ساحة الأحداث، فكل الأحداث اليوم ليست على قنوات التلفزيون ولكن على مواقع التواصل الاجتماعي، لذا كن مغرداً على الدوام لتثبت وجودك الفيزيائي أولاً والاجتماعي ثانياً!! كثيراً ما قرأت على موقع تويتر هذا السؤال يوجهه مغرد لزميله أو لشخص يتابعه: لماذا لم نعد نراك على تويتر؟ أو أين اختفيت، لم نعد نقرأ تغريداتك منذ مدة؟ أو خيراً لماذا أنت غائب عن الأنظار؟ فأفراد المجتمع اليوم يلتقون ويتحدثون ويقيمون الدنيا ولا يقعدونها أحياناً في مجالس وصالونات تويتر، أكثر مما يسمعون أصوات بعضهم بعضاً عبر الهاتف، لقد صارت المحادثات الهاتفية والرسائل النصية شيئاً من مخلفات حقبة ما قبل طوفان تويتر، وسريعاً جداً تحولت السلوكيات الاجتماعية وكذلك سريعاً جداً أدمن الناس هذه المواقع، حتى لكأنهم صاروا يقيمون في تويتر ويعودون إلى بيوتهم وحياتهم العادية في أوقات الفراغ منه! من أين اكتسبت هذه المواقع الاجتماعية وتحديداً تويتر هذه السطوة على أذهان وسلوكيات الناس؟ وقد يكون مفيداً لو تساءلنا ماذا فعل بنا تويتر وماذا فعلنا نحن به؟ ولكي نجيب على هذا الأول فإن السؤال يصلح لأن يكون إشكالية علمية لبحث علمي قائم بذاته، لكننا هنا نسجل ملاحظات سريعة فنقول إن هذا الإقبال غير المسبوق على تويتر وغيره سببه جوع الناس في المجتمعات العربية للحرية والتواصل والمعرفة، فحرية التعبير بعيداً عن الرقابة والإعلام الحر الذي يصنعه الإنسان بنفسه بعيداً عن الوصاية الرسمية كان ولا يزال حلماً عربياً صعباً بامتياز، كما أن التواصل الإنساني في مجتمعات الطفرة والثراء، يشكل هو الآخر مطلباً ملحاً قدمته هذه المواقع على طبق من أثير حتى وإن كان افتراضياً!! تلبي هذه المواقع احتياجات إنسانية أساسية وحقوقاً ملحة ومعترفاً بها إنسانياً وعالمياً، وهذا الإقبال دليل على ذلك، لكنها تعطي مؤشرات واضحة أيضاً على مدى الخلل في نواحي الحياة الاجتماعية والإنسانية والتواصلية التي لا تستقيم حياة الإنسان من دونها! عائشة سلطان | ayya-222@hotmail.com