في ليلة سادها الهدوء قررت مشاهدة برنامج «عالم الحيوان». ومن محاسن الصدف أنه كان عن العناكب فطالما أُعجبت بشخصياتها. للعنكبوت مكانة خاصة في قلبي ومخيلتي وذكرياتي، فأذكر والدتي ـ رحمها الله ـ تقول: لا أحد منكم يقتل العنكبوت، ترى العنكبوت أضل الكفار عن مكان الرسول عليه الصلاة والسلام يوم كان مندساً عنهم في الكهف. فتركت البرنامج صوباً وسرت أبحث عن سر العنكبوت ومناقبه، فمكانته لا تقف عند ما قالته أمي، ولهذا الإعجاز العلمي لما ذكره الله تبارك وتعالى عن العنكبوت، فخيط العنكبوت مكون من مجموعة خيوط ملتفة على بعضها البعض وسمك شعرة من فروة رأسنا أكبر من سمك ذلك الخيط أربعمائة مرة. وهي خيوط مرنة قابلة للتمدد لعشرين في المائة من حجمها فلا تتمزق، فرغم شدة نعومتها المفترضة وتصميمها المبدع وشفافيتها؛ إلا أنها تعد أصلب الألياف الطبيعية على الإطلاق، فقوة تحملها للضغط تقهر الفولاذ وتذله. وتكمن المعجزة في أن هذه الخيوط تقع تحت السيطرة الكاملة لأنثى العنكبوت فهي من تحيك وتصمم وتبني، ولها ثلاثة مغازل تقع في أسفل بطنها جميعها تتصل بغدد صغيرة تفرز المادة التي تتشكل منها الخيوط وليس للذكر مثلها. وجاء الواقع المرير.. فمن سلوكيات بعض العناكب ما يستوقفنا كبشر، إذ تقتل الأُنثى ذكرها بعد التلقيح وذلك لإنضاج البيض، ويقوم بعض العناكب بترك الذكر يعيش في العش، فيقوم الأبناء بأكله بعد أن تتحرر من بيوضها. وفي بعض الأنواع تقتل صغار العناكب أمها وتلتهمها بلا تردد، وقد يحدث أن تلتهم الأنثى صغارها دون منطق أو أمنية. ويحدث أن تموت الأنثى بعد إخصاب بيوضها التي تحفظها في لفافة من الحرير، وعندما تفقس وترتئي تلك الصغار نهجة الحياة، تتضارب مصلحتها للبقاء ولاتزال في لفافتها الحريرية هذه فيباشر الأشقاء الاقتتال. بعد البرنامج أيقنت بأن لبعض البشر سلوكيات تشبه العنكبوت، فمنهم من يتسلق جدرانا ليست من بيئته، وينصب شراكاً في طريق من يتحداه، ويتحين الفرص ليبرز حيث يسقط الآخرون، ويتربص عند الكمائن، ويتطلع للمعان دوماً فيعتلى قمم آل أصحابها للسقوط وإن لم يمتلك مكانتهم. وهذا النوع من البشر يتلون كما تفعل الحرباء التي يتغيّر لون جلدها ما يعكس حالتها النفسية وتغيراتها الفسيولوجية، ويُعد تلونها نوعاً من التواصل مع الآخرين. للعارفين أقول، اقرأوا بين السطور، فهناك ما يتصل بمواقف وشخصيات ينطبق عليها بعضٌ من هذا الوصف والكناية والتشبيه والاستعارة. ونحن في مجتمع السعادة لا حاجة لنا بالكراهية والحقد، فهذه كلها نقائض لطبيعة الإنسان، وأنا على يقين أن الحب والسلام والآدمية هي العلاج الناجع لما نراه وما نجهله في أنفسنا والآخرين. يقول فيلسوف الصين تسو في كتابه، «فن الحرب»: «في الحب والحرب كل شيء متساو».