ليس المقصود من هذا العنوان ''قوموا أيها النائمون في الصحراء''، لا تنبيهاً سياسياً، ولا قرع جرس اجتماعيا لجماعة تنام في غفلتها في الصحراء، ويأخذ الشاعر دور المنبه أو المحرض لها على اليقظة، أو دور قارع الجرس·· الى ما هنالك من احتمالات خدّاعة للعنوان، كل ما في الأمر هو بيت من الشعر، قرأته في جملة ما أقرأ، من شعرنا العربي القديم، فاخترق كياني وجعلني أشعر بمسٍّ من كهرباء، طالما افتقدته في شعر هذه الأيام، فسعيت أبحث عنه في شعر الماضي، فالسحر في الشعر القديم، وأنا أعود إليه الفينة بعد الفينة، لكي لا أنأى بروحي عن منابع الدهشة، فما هو هذا البيت ؟ وما هي أسرار جماله؟ البيت هو قول الشاعر: ''ألا أيها الركْبُ النيامُ ألا هُبّوا أسائلكم: هل يقتُلُ الرجُل الحُبُّ؟'' في الشطر الأول من البيت (صورة) دعوة رجل هو على الأرجح رجل مذعور، مستيقظ وخائف لقوم عابرين في الصحراء، خاطبهم بكلمة ''الركب''، وهم ''نيام'' ''ألا أيها الركبُ النيام''، وطلب منهم مستغيثاً وآمراً بتكرار كلمة النداء ''ألا'' مرتين، واستعمال صيغة الأمر، أن يستيقظوا، بل أن يستيقظوا مستنفرين'' ألا هبّوا··· ولماذا؟ نسأل أنفسنا، ونسألها أيضاً: ما الخطبُ الجلل؟ وما الأمر العظيم الذي استدعى هذه الصرخة (الاستغاثة)، يطلقها رجل في الصحراء، مستيقظ ووحيد، ويلقيها على جماعة من النيام، مسافرين ناموا ليرتاحوا (ركب)، ليوقظهم من نومهم؟ يستغيث بهم، يقول: ''ألا هُبّوا''· أهو زلزال هاجم، أم هو خطر داهم يهدد الجماعة؟ أهي مفاجأة اللصوص لهم أم هي مفاجأة الوحوش؟··· هذا المناخ النفسي من الأسئلة والهواجس، يثيرها الشطر الأول من البيت· لكن المفاجأة والمفارقة والجمال تنكشف جميعاً في الشطر الثاني، وهو: ''أسائلكم: هل يقتُلُ الرجُلَ الحبُّ؟'' المسألة إذن ليست في ما يثير الشطر الأول من تهويل وهواجس، بل هي في صرخة المحب العاشق، حين أحس بأن عشقه يقتله، وهو العشق الذي وصفه أحد أفراد قبيلة بني عُذرة، التي ينسب إليها الحب العذري في الشعر العربي، حين سئل: من أية قبيلة أنت؟ فقال: ''نحن قومٌ إذا أحبوا ماتوا''· ويعتبر قيس بن الملوّح، مجنون بني عامر، في الأشعار المنسوبة إليه، وفي حكايته أو أسطورته مع حبيبته ''ليلى'' النموذج الأبهى لاقتران العشق بالموت، فضلاً عن الجنون·