مشهد يثير الاشمئزاز أشعر بالأسى، أشعر بالاشمئزاز عندما أسمع عن وفدين سوريين يلتقيان في جنيف لحل المعضلة السورية وبرعاية أجنبية.. مشهد يقلب مشاعر الحزن في الفؤاد، عندما لا يلتقي أخوة الدم والتراب إلا على مائدة عابرة للقارات، بهدف حل قضية لا تخص إلا أهل القضية وأصحابها، وهم الذين أشعلوا أوارها، وقلبوا جمرها، وأبادوا الأخضر واليابس لأجل الوصول إلى كرسي الحكم، ولو جاء الكرسي على جثث الأبرياء، ولو جرت سفن الطموحات في بحار من الدم واللحم المحترق بنيران الحقد. فما الذي كان يمنع الأسد أن يحتكم للعقل ويقبل بالأمر الواقع ويقول نعم للرأي السديد، وحل المعضلات بالتفاهم، ما الذي كان يمنع المعارضة توخي الحذر من الوقوع في فخ الخدع السياسية، والاندفاع نحو نيران القوى المتشددة، التي لا تعرف غير التدمير وحرق المراحل، وإبقاء تنانير الموت من دون هدف أو سقف. ما يحصل في جنيف اليوم، يؤكد أننا لا زلنا نمارس طفولة متأخرة في السياسة، ونعيش حالة من الغثيان والدوار الأيديولوجي، ونعاني من بطش الذات المتورمة، والأنا المتفاقمة، وغيبوبة ماحقة ساحقة لا تبدي ولا تذر، تحرق جل المبادئ الإنسانية، وتتجاوز حدود المنطق والقيم الإنسانية العالية. ما حدث في أول جولة من جولات الحل السويسري، وهي جولات قد تطول ولن تؤتي ثماراً يانعة، يؤكد أن اللقاء سوف يستمر بالشتائم وكيل الاتهامات إلى ما لا نهاية لأن الجميع لم يزل متشبثاً بثوابته الجهنمية وسوف يدفع الشعب السوري المغلوب على أمره مزيداً من الضحايا، وسوف تدفع سوريا الكثير من الأثمان الباهظة لأنه في غياب المنطق لا يبقى للعقل غير العربات الفارغة التي تزخر بالضجيج ولا تأتي بأي نتيجة إيجابية. فعلاً فالمشهد مقرف ومقزز ومحزن، والذين يجتمعون يريدون رؤوس بعضهم، ورؤوسهم مغطاة بالأسلحة الفتاكة، ولا يبقى غير رأس الشعب السوري العاري، ووجوه أطفاله العارية، المنقوعة في براري الثلج وخواء التضاريس.. الذين يجتمعون مغلفين بأظرف غليظة، محكمة الاغلاق، لا يفهم ما في جوفها غير الذين يقلبون الجمرات في مواقد المصالح الاستراتيجية، وما يتبعها من توغل فج في تأزيم المواقف، وإذكاء المحنة حتى لا يصبح هناك حل غير الاستمرار في الذبح، وتحويل سوريا إلى ليبيا جديدة، تتقاذفها القبائل والفصائل، والأسد المذعور يتكئ على عصا الجبروت الزائف. والله المستعان.. Uae88999@gmail.com