الأربعاء 17 ديسمبر 2025 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التواضــــع

11 نوفمبر 2005

من أجمل ما يتحلى به المرء صفة التواضع، فالتواضع آلة فتاكة لصيد القلوب، ومن أقوى أسباب جذب الناس، وكسب العديد من النفوس، وهي سمة الأنبياء، ومكرمة من الله تعالى على البشر، فلو لم تكن سمة التواضع بيننا، لسادت الفوضى، وتآكلت اللحوم وتخالطت مع الدماء، وساد الخراب بين بني البشر ·
دعونا معا نترك الدنيا برمتها، ونترك الكبر والتكبر والعياذ بالله على جنب قليلاً، ونلتفت إلى هذه الدرة الثمينة التي وهبها الله لنا، والتي هي أساس التآخي والتصافي بين الناس، فلك مني يا عزيزي القارئ سؤال بسيط، تسأله وتجيب على نفسك بكل أمانة: هل أنا متواضع؟ لا تجب إلا بعد أن ترى نماذج بسيطة حية للتواضع، وتعرف عليها جيداً، فكلمة التواضع كلمة خفيفة على اللسان، ثقيلة في الميزان، وليس من السهل العمل بها، فهي ثقيلة، وتحوي معاني كثيرة، ولك بعض الأمور التي يكمن فيها التواضع، وتبرزها على السطح، ومن ثم أجب على سؤالي:
* إفشاء السلام: من منا وللأمانة يفشي السلام على المارة، وعلى جميع من يعرفهم ومن لا يعرفهم من إخوته المسلمين ؟ قليلون هم من يفعل ذلك، وقليلون من يحثون أولادهم على هذه العادة الجميلة، والتي تدل على تواضع المؤمن، وإلقائه للسلام على من حوله، فلا يميز بين صغير وكبير، وغني وفقير، ومواطن ووافد ويتيم وابن سبيل، وقد صدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين قال: هل أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام'، وهو دليل المحبة والأخوة الصادقة لله، وكم من مواقف من حولنا تحدث وتكشف لنا حقيقة من حولنا، وأذكر إحدى الأخوات في يوم من الأيام ألقت التحية على إحدى المارة، فردت عليها الأخت: أنا ما أعرفك ؟ ليش تسلمين؟ قالت لها الأخت: 'المؤمن أخو المؤمن، فإذا لقيت أختي المؤمنة في طريقي فعلي أن أحييها بتحية الإسلام، والسلام لله يا أختي الكريمة'، ومن بعدها اصطفت نية الأخت الفاضلة، وكانتا مثالاً جميلاً للأخوة الصادقة، فقد استطاعت الأخت الطائعة المحافظة على سنة إفشاء السلام كسب قلب أختها، وجرها في صفها، صف التواضع وإلقاء التحية على الجميع ·
* مجالسة الضعفاء: من فكر فينا بأن يخرج إلى مجتمع، ويجالس الفقراء من حوله ؟ هنا بالتحديد تبرز سمة التواضع والمحبة للجميع ، فهل فكرت يا عزيزي القارئ في يوم من الأيام الخروج من منزلك، ومجالسة البسطاء من الأهل والجيران ؟ مجالسة الفقراء هي من أجمل الأشياء التي تحس فيها بالفعل بأنك أنت وغيرك من الأخوة المسلمين متساوين في كل شيء ، لا يميزكم عن بعضكم سوى التقوى والعمل الصالح، ومجالسة الفقراء أمانة ومن تجربة خاصة من الجميع تزيد من رصيد حب الله سبحانه وتعالى لك، وحب الناس وتعلقهم بك، وترحيبهم الدائم بك، وأذكر أحد الشواب الكبار كان محافظاً على إطعام العديد من الفقراء والمساكين، ومشاركتهم في طعامهم وصلاتهم وفي كل شيء ، إلى أن شاء الرحمن وتوفى هذا الرجل، فكانت له جنازة كبيرة وعظيمة، قادها هؤلاء الفقراء والمساكين، وأذرفوا الدم بدل الدمع حزناً على فراقه، ولازالوا إلى اليوم بالرغم من السنين التي مرت يذكرون فضله وخيره عليهم ، ويترحمون عليه ليل نهار، لماذا ؟ لأنه جالسهم ولم يتكبر عليهم، ولم يزدريهم ويقلل من شأنهم كما يفعل البعض من حولنا ·
* الابتسامة الصادقة الحسنة: هل نحن جميعاً متمرسون قبل الخروج من المنزل في النظر إلى المرآة والتمرن على فتح فاهنا بالقدر المعقول، لنرسم ابتسامة جميلة على وجوهنا ، ونتعهد أن تكون هذه الابتسامة من نصيب جميع من نراهم ؟ أعتقد أن البعض منا لا يفعل ذلك، لأنه يخلط الحابل بالنابل، فعلى سبيل المثال يكون البعض متضايقاً من بيته، فيخرج إلى عمله مكشراً غاضباً، ويطلع حرته في زملائه وفي مراجعينه، متناسياً بأنه يجب أن يفصل بين بيته وعمله، فليس هو الوحيد في العالم كله من لديه هموم ومشاكل، كلنا عندنا هموم، وكلنا عندنا ما يتعبنا ويرهق كاهلنا ، ولكن بالرغم من كل هذا علينا أن نتمسك بالله عز وجل، وأن نفوض الأمر له، تاركين الهموم وراء ظهورنا، مبتسمين للحياة متفائلين مع من معنا، والابتسامة السليمة الصافية النية هي ما ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه: 'وابتسامتك في وجه أخيك صدقة '، وهي الابتسامة التي تبعث في وجهك روح الطمأنينة ونور الهدى والايمان، تحبب الجميع فيك، فيقول من حولك: ما شاء الله على فلان، دائماً يكون مبتسماً وسعيداً ويسعد من حوله بابتسامته الحلوة، حتى أن هذه الابتسامة تنسي هموم من يراك، وتبعث فيه بسمة الأمل والتفاؤل بالحياة من جديد ·
ولازال الحديث مستمراً، فانتظروا مقالتي القادمة ·
ريا المحمودي
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2025©