لا تشبه إلا كيانها المفتون بها، حائرة ما بين المد والجزر، ما بين سحر الماضي، وخيال الحاضر، تقف على مشارف التاريخ، نسيجها الفن وروعة هوليوود العالمية، وصمت بفيرلي هيل الجامح بأساطير الفنانين والمخرجين، وعباقرة الأفلام وصناعتها، بممرها الشهير رود درايف، المنسوج من نخيل الصحراء، تقف شامخة، تستحضر ألقها في الفضاء الجميل.
لوس أنجلوس تنحدر زمنياً من وجودها، عبر تاريخ المكسيك والإسبان، لتستقر منذ زمن بعيد في حضن الجغرافيا الأميركية، لوس أنجلوس بقاموس اللغة الإسبانية تعني الملائكة.
فلا شيء يهيئ المرء لاكتشاف المدن مثل قراءة معالمها المتدفقة بصورها وحكاياتها، وهي تتشكل في الذاكرة، قراءة متأنية، فكلما زرتها تستدعي ملامحها ووجوهها المحتملة بشيء من حقائقها، وإذا ما حضرت بين خبايا مناطقها وبعض طرقاتها، فهي تستدعي هدوء النهار، حيث يجترها الليل تعباً هزيلاً وصخباً، يحيلها إلى اغتراب مخيف وضجيج المتعبين، ومناوشات لا تهدأ، شيء ما يستبيح زواياها، تأوي من لا مأوى لهم، تراهم في انزواء زمني قاهر، لا يشعرون بالوقت، ولا بلذة فتات الطعام المتناثر، تظللهم أنسجة شفافة مهملة، تنطوي أجسادهم النحيلة والمنسية تحت وطء الشوارع.
لا شيء يطهر المدينة سوى صوت الموسيقى على ساحل محيطها الهادئ، وهدير أمواجها ترسم لوحات مائية لامعة على تربة تقترب من جبال سانت مونيكا الهامسة، أبهى الأماكن وأجملها تظللها الغيوم وتلفها بطوق يانع أخضر، سانت مونيكا الهامسة بالهدوء، المغتربة في خيالها وصمتها، ترى من بعيد حروفاً مبصرة، ومن جهات مختلفة، أفلام هوليوود تنطلق من هذه الرقعة نحو العالم.
هنا ما يوحي لك بجمال بيوت الفنانين والمشاهير من رياضيين، وما يتصل بمواقع تمثيل الأفلام، تراها ماثلة بين جوانب شوارع هوليوود فترى تمثيلاً لأفلام حية أمام الجمهور، مثلما تصادف وجودي في تصوير فيلم «فيريوسا ميد ماكس» المتجدد والمرتقب، لقطات عالقة في البال تظل تحاكي الزمن.
لم تكن بيفرلي هيل إلا عالماً آخر من عوالم هذه المدينة التي تعيش حيوات مختلفة تنسج خيالها في كل طرف من أطرافها، فما تراه في هوليوود وبفيرلي هيل يعكس نسيجها المتخم بالحراك الهادئ الجميل، فهي تعبر السنوات البعيدة تكتنز نفسها بهجة وفلسفة مستقبلية لا تنفصل عن جوهر مدينة لوس أنجلوس رغم المناداة بحل معصمها وانشقاقها كمدينة للأفلام رغم شقاء الشوارع من حولها، إلا أن هناك من يصغي لصوت العقل بأن تبقى المدينة أيقونة للحياة.