في ربيعه وفي خضم رفقة الشعر، كان ربيع بن ياقوت، طيب الله ثراه وأسكنه فسيح جناته، الفارس الذي امتطى صهوة الشعر وفي ميادين السجال كان الحر الذي يحدق في الكلمات كأنها فراشات تلاحق الضوء، وتمضي في المدى عشقاً لحياة، وحباً للمعنى العميق لبحر في الشعر، قافية لموجة تحرك وجدان القصيدة، كما تشيع وهجاً في قلب الحبيبة.
أذكر هذا العملاق، وأتذكر مزاحه الرهيف، كما هي قصيدته عندما كان يزورني رفقة الشاعر الكبير حمد بوشهاب، وكأن الرجلين يمثلان بهجة ووداً ولطفاً لمن يعرفونه ولمن تجمعهم به رفقة الكلمة، وكنت أشعر بالدفء عندما أستمع لمقتطفات من شعريهما، كانت القصيدة، مثل النسمة تحرك قلبيهما، كانا في الشعر منزلاً مباركاً، كانا في المقام الأول قامتين يرتفع بهما كل من يجالسهما وكل من يصيخ السمع لما يتلوانه من صور شعرية زاهية بمذاق القهوة العربية التي يفضلانها عندما يقومان بزيارتي في القسم الثقافي في جريدة «الاتحاد».
اليوم يترجل ابن ياقوت وفي جعبته قصيدة هي الملحمة الكبرى في ضمير كل شاعر كبير، وقصيدة ابن ياقوت هي الوطن وأبناء الوطن، فكم تكلم عن هذا الوطن وعن ذاك المواطن بحب تسبقه النصيحة، وود تلحق به همزة الوصل ما بين قلبين، شاعر يغمر قلبه في ماء التاريخ، وقصيدة لها جذور في الأرض وفروع في السماء، وما بينهما يسكن وجدان شاعر ملهم يرى في الشعر ما يراه العاشق في حبيبته، وينظر إلى القصيدة كما ينظر المحب في عيني معشوقته.
لا شك في أن رحيل ربيع بن ياقوت يشكل فراغاً في القصيدة النبطية، ولا شك في أن غياب هذا العملاق سوف يدمي قلوباً ويدمع عيوناً، ولكن عزاؤنا في مخزونه الثري الذي سيتركه للأجيال، وكل ما أتمناه أن تلتفت وزارة الثقافة، وهذا شأنها، إلى تراث ابن ياقوت، وتعمل على جمعه وحفظة والاعتناء به ليقدم للدراسة والبحث والتحقيق، لأنه كنز يزخر بحكمة شاعر، وعبارة مبدع ومهارة فارس وجزالة مبحر وفضيلة حارس للقصيدة ومنجز مشروعها الإنساني. وأنا على يقين بأن الوزارة التي يقودها وزير شاب وطموح لن تنسى ابن ياقوت، ولن تتجاوز مرحلته، فهي أهم المراحل الشعرية التي عشناها وعايشنا فرسانها وقرأناهم وقرأنا لهم وأحببناهم بصدق وعفوية؛ لأنهم أمتعونا بصدق الشعر وصداقة القصيدة، هؤلاء الذين يستحقون منا كل تبجيل، يستحقون حفظهم في القلوب وليس في الدروب.
هؤلاء الذين وضعوا الثمرات على أغصان مشاعرنا، هؤلاء الذين علمونا كيف يكون للكلمة سر الوحي عندما تتنقى من الخدوش، هؤلاء سلكوا دروب الشعر كما تسلك الجياد ميادين التتويج، كما تسلك الأحلام مكامن الأهداف الناعسة، كما تسلك العفوية منازل القلوب الرخية.
رحم الله ابن ياقوت وأسكنه فسيح جناته وألهم ذويه الصبر والسلوان، وجعله الله في صحبة الأولياء الصالحين.