عندما تمر على السواحل، وتتأمل تلك البحيرات المائية، المحاطة بالأخضر، تشعر أنك أمام تظاهرة شجرية، من أجل سلام العالم، ومن أجل استدامة النقاء البيئي، وعندما تستدعي الذاكرة، فأول ما تفكر فيه تلك السلاسل الشجرية الممتدة من اليابسة إلى اليابسة، في محيط بيئي يتزين بهامات النخيل الباذخة، وقامات اللوز المترفة، وأعناق السدر الموحية على الأرض تقبيلاً، وتبجيلاً، بكل ضراعة الكائنات النبيلة.
واليوم وقد اهتمت الدولة بأشجار القرم، والتي تسبح في أحواض بحرية، تغرق وريقاتها الدقيقة بالملح، وهو السلسبيل الذي تتغذى منه هذه النباتات البحرية النجيبة، عندما تتوقف، وتنظر إلى تلك الأجنحة البيضاء التي ترفرف كأعلام النصر، تشعر بحالة طفولية، تنتابك فجأة، وتفكر لو تمد يديك، وتلمس تلك الأرياش الناعمة، المبتلة بالماء، ونعيم النسائم، تفكر في معانقة هذه الكائنات العفوية، تفكر في خوض غمار الماء، وتجلس بالقرب من الفراخ الصغيرة، التي فتحت أبواقاً في انتظار لقمة النهار، وأشجار القرم تحرس وحدتها، وتمدها بالدفء، تمدها بحنان الأشجار، وهي المطالب التي يتطلع إليها كل من أفقدته الصحراء سحر هذه الألفة الجميلة.
قلت في لهفة شكراً لك أيتها الأشجار، شكراً لألفتك، شكراً لكل من مد أعناقك إلى السماء، وأنت تتشوقين لرسم الصورة الزاهية لعالم يتنزه بين موجة وغصن خصيب، ويجول على الشواطئ كأنه النورس، يبحث عن فرحة الصباحات الباكرة، يستمرئ المكوث هنا، في هذا المكان من العالم وهو (السعديات) أبوظبي، حيث أشجار القرم ترتع، تخترقين سماء زرقاء صافية، كأنها سجادة المخمل، والطير يصفو له العيش في بلاد أمنت حياة الإنسان والطير والشجر، بلد نسج قماشة الحياة من أهداب الشمس، وخاط معطفها بمغزل الوعي، وجعلها شرشفاً يلامس المشاعر، فيغدقها بالحنان، ويطوق القلوب، فيملؤها بالدفء، والناس هنا طيور تهيم غراماً بجمال البيئة، وبهجة الحياة، ولون الماء وهو يداعب خصلات أشجار القرم، بلطف وحنان ومودة، تشعر وأنت تلف لفيفك، وكأنك تتأمل تضاريس جسد منعم بخصوبة الجمال، وروعة الخصال، ومهارة التأنق، ما بين السماء والأرض. 
في المجال الأوسع أنت في خضم التظاهرة الجمالية، فراشة تلثم شفة الدلال، على مهل وتأنٍّ، وفي الخاطر لواعج تستدعيك كي تمارس حقك في الفرح، حقك في الاعتزاز ببلادك، والتي هي اليوم، الاستثناء في مجال البيئة النظيفة، كما تتفرد في مجالات عدة.
فأقول لك الفخر يا بلدي، لك العز والإكبار، والسحر. لك الدنيا محيية، والطير والشجر، وأنا.. أنا بين الخمائل تسحرني، هذي النجود، هذي السجادات الخضر، والطير بيض نواصيها، تسطو على وجدان عاشقها، بتغريدة كأنها لحن قيثارة، كأنها صوت المدى في ضمير القصائد، والبحر قدح عملاق، ترشفه الموجة فتكبر، ويتسع بياضها، يتسع محيطها، يتسع قميصها المشقوق من قبل.