التراث لغة الماضي وبلاغة الحاضر ونبوغ المستقبل، به تمضي سفن الحياة إلى مرافئ الأبهة ورونق العلاقة بين تعاقب الأجيال، وهو الصوت الداخلي وضمير الناس وصيتهم بين الأمم.
والتعاون بين المؤسسات الثقافية في البلد من أجل رفع العلامة البارزة للتراث، وتثبيت مرتكزاته في عقول الأبناء، وتكريس ثوابته في قلوبهم، وتأكيد أثره على استدامة الوعي، وبأهمية أن يكون التراث هو دفتر الملاحظات، وهو الكتاب المحفوظ، وهو القصيدة التي تضبط أوزانها، وتحقق قوافيها وتعمل على بناء الروح على أسس الانتماء إلى التاريخ وما التاريخ إلا مجمع سلوكيات ومخزن معطيات وسبورة تسجل على لوحتها إنجازات الشعوب ومشاريعها ومكتسباتها وأحلامها وتطلعاتها وطموحاتها.
وفي التعاون بين الأرشيف والمكتبة الوطنية و«دبي للثقافة»، يشير هذا البذل إلى إيمان المسؤولين بهاتين المؤسستين الوطنيتين بأن التراث هو صلب البناء الاجتماعي، وهو نياط الحس الجمعي لأبناء الوطن، وهو الدافع القوي والمؤثر لتشييد علاقة وطيدة وراسخة بين المؤسسات الثقافية والتي من أهدافها الجوهرية الاهتمام بالتراث وتنمية الوصول إلى جذوره وإروائها بماء المكرمات لتظل الشجرة وارفة الظلال، وتبقى الأغصان سامقة في السماء، وتعيش الأجيال تحت هذه المظلة العملاقة تنهل من حكمتها وترتوي من عذبها، وتعمل جاهدة على التمسك بمبادئها، والالتزام الأخلاقي بقيمها، وما قدمته الأجيال السابقة للأجيال الحاضرة من مخزون تراثي يظل النبراس لوعيهم والأساس لمسيرتهم نحو المستقبل.
اليوم الإمارات تبدو في العالم بصيص النور الذي يشير إلى الغد بعلامة مميزة في الحب، وما السنع الذي تركه لنا الآباء والأجداد إلا القاموس الذي منه نعثر على لغتنا في التخاطب مع الآخر، وهو الفجر الذي يشعشع بين رموشنا ليضيء لنا طريق التواصل مع فصول التاريخ، من دون عثرات تبعثر الحقائق أمام أعيننا.
اليوم الإمارات في المدى العالمي مدّ يبلل شواطئ الحياة ويملأها بملح الذائقة الاجتماعية، اليوم الإمارات تبدو في الحياة كوكباً يستدير حول تراثه ويطوقه بحب وصدق وإخلاص ومودة، وهذه قيم نقلها لنا السالفون لتكون حية نابضة في ضمائرنا، فمن ليس له ماضٍ ليس له حاضر هذه قيمة أخلاقية طبعها في أذهان الأجيال المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وعلى أثره تسير القيادة الرشيدة، وتعمل على ترشيد العقل الإماراتي بثوابت وضعها المؤسس لتكون بلورة الجمال في ضمير عشاق الحياة، والمنتمين إلى أخلاق الناس الطيبين.
فتراثنا معطف الدفء الذي يحمي أرواحنا من الضياع، ويحفظ قلوبنا من الجفاف العاطفي، ويمنع عن عقولنا فراغ المراحل اللاهثة خلف سراب التقدم المزعوم.