فاطمة عطفة (أبوظبي)
ترفض «عذيجة» الغناء إذا انخسف القمر، وإذا كان الجو غائماً، لا بد أن يكون القمر بارزاً، والسماء صافية، ترفض أن تغني في أي عرس يحتمل شيئاً من الشؤم!، هذه الكلمات ذات الدلالة الكاشفة جاءت على غلاف رواية صالحة عبيد «إلا جدتك، كانت تغني» التي تمت مناقشتها أول أمس في مؤسسة «بحر الثقافة» بحضور المؤلفة، وأدارت جلسة الحوار هالة عادل، مقدمة لمحة من السيرة الذاتية للأديبة المهندسة صالحة عبيد، وتوجهت بسؤال إليها: لماذا كتبتِ عن الموسيقى؟
أجابت عبيد: «أرى أن حياتنا مرتبطة بالصوت بشكل أو بآخر، لكن الإلهام الأول جاء من غناء الجدة، من «الصوت» الذي أتى بشخصية شاهين، وأتذكر أنني عندما فكرت بهذه الشخصية، كنت أفكر أن تكون حاضرة كصوت، وكيف لو قدمنا عملاً سردياً لصوتنا وثقافتنا، لأن هذا الصوت يعبّر عن صاحبه عبر الحكايات، ثم تأتي الموسيقى»، مبينةً أنها كانت تفكر بأن تكون الشخصية الروائية حاضرةً في علاقتنا مع أجسادنا، وأن عفوية الجسد والعلاقة مع الموسيقى تظهر من خلال البطل شاهين الذي يغني ويرقص، والأغنية تنتقل عبر الزمن.
وشهدت الأمسية مداخلات متعددة، حيث قالت فائقة النعيمي: «نحن اليوم أمام رواية عبارة عن حكايات تسكن حكاية واحدة». وأوضحت النعيمي أن الكاتبة توثّق عالم الراقصين والمغنين في الأفراح وأعراس البيوت من خلال بناء روائي متين وجميل، وهو مبني على خطين: الماضي والحاضر، كما ركّزت الكاتبة على المكان والزمان بشكل واضح خلال فترتي السبعينات والثمانينات.
وجاء في مداخلة فاطمة الرميثي أن الرواية تمثل عملاً أدبياً غنياً بالمفردات الموسيقية والصوتية المصوغة بحرفية عالية، بحيث يشعر القارئ وكأنه لا يقرأ فحسب، بل يستمع أيضاً، مشيرة إلى جمال التعبير وعمق دلالته في أسلوب الكاتبة، حيث يشعر قارئ الرواية وكأنه يستمع عبر صفحاتها إلى الأهازيج والأغاني، وإلى ضجيج الأمكنة وصخب البشر، وإلى هدير البحر ووشوشة الصمت، كما نستمع إلى أغاني الأعراس وأغاني الفقد والوداع. بهذا العمق السمعي، تتجلى الرواية كفضاء موسيقي سينمائي بامتياز، مكتمل العناصر والأدوات والشخصيات، حيث تتنقل الرواية بين محطات جغرافية متعددة.
بدورها تحدثت المهندسة دنيا علم الدين مشيرةً إلى أن هذا العمل الروائي الجميل جمع بين البساطة الظاهرة والعمق الخفي، بين الحنين والهوية، وبين الصوت الأنثوي وامتداد الذاكرة، مبينةً أن الرواية تدعو للتأمل في أشياء نظن أننا نعرفها، لكنها في الحقيقة أكبر من أن تختصر بين الارتباط بالصوت والذاكرة والهوية، كما تركّز الرواية على شخصيتين منفصلتين: مروان الذي رحل سريعاً، والذي اكتشفنا في ما بعد أنه شخصية حقيقية أعادت الكاتبة إظهارها وتصويرها في سردها بعذوبة فائقة، كما أن شخصية شاهين والحوارات في الرواية مؤثرة، حيث يجد القارئ حواراً متسامياً مليئاً بالتساؤلات، هو يشك بأنه مازال حياً، وهي تشك بأنه ميت، وخاصة أن الكاتبة استخدمت ضمير المخاطب في سردها لحكاية شاهين.