إذا سألت خبراء الصحة العامة عن المبادئ التوجيهية للتواصل في مجالهم، فسيرددون هذه الكلمات الثلاث: المصداقية والشفافية والثقة. يقول فيش فيزواناث، أستاذ التواصل في مجال الصحة بكلية «تشان» للصحة العامة في جامعة هارفارد: «عند التواصل، لاسيما في ظل ظروف صعبة للغاية، فهذه هي المكونات الثلاث الأساسية». لكنها على وجه التحديد أصعب الظروف –مثل فيروس كورونا الذي لا يمكن التنبؤ به- التي يمكن أن تجعل من العسير للغاية التمسك بالمثل العليا للتواصل الفعال. وليس ثمة شك في أن الأيام والأسابيع الأخيرة قد اختبرت هذه المبادئ، حيث انتقلت دولة مرهقة بسبب «كوفيد-19» من شعور متزايد بالتفاؤل والعودة إلى الوضع الطبيعي، مرة أخرى، إلى تزايد عدد الحالات، والأوامر بارتداء القناع، والارتباك العام.
وحدثت هزة كبيرة الأسبوع الماضي، عندما حثت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها الأميركيين الذين تم تطعيمهم بالكامل على الاستمرار في ارتداء الأقنعة في الأماكن المغلقة التي ينتشر فيها الفيروس بشكل كبير. كما شددت مراكز السيطرة على الأمراض توجيهاتها الخاصة بالمدارس، وأوصت بأن يرتدي جميع المعلمين والموظفين والطلبة أقنعةً، بغض النظر عن حالة التطعيم، مما أثار نقاشات مسيسة في جميع أنحاء البلاد.
لكن البيانات التي تدعم إرشادات ارتداء القناع الجديدة –بناءً على تفشي الفيروس في ولاية ماساتشوسيتس والتي شملت أشخاصاً تم تطعيمهم في الغالب– لم يتم إصدارها لمدة ثلاثة أيام.
ويقول الخبراء إن مراكز السيطرة على الأمراض تكون، في بعض الأحيان، في وضع غير مريح. ومن خلال الإعلان عن توجيهات ارتداء القناع الجديدة دون الإفراج عن البيانات في نفس الوقت، أظهرت الوكالة أنها أقل شفافية. لكنها لو انتظرت لإصدار إرشادات القناع الجديدة حتى تصبح البيانات جاهزة للنشر، لكان من الممكن اتهامها بتأخير نصيحة مهمة للصحة العامة.
وتُظهر هذه المعضلة «مفارقة الخبرة»: يحتاج مسؤولو الصحة العامة إلى التحدث بسلطة، حتى ينتبه الناس ويشعرون بالاطمئنان. ولكن في حالات الطوارئ، يعلم المسؤولون معلومات جديدة في الوقت الفعلي، وبالتالي لا يمكنهم الادعاء بأن لديهم جميع الإجابات.
تقول مارشا فاندرفورد، مسؤولة الاتصالات السابقة في هيئة الصحة العامة ومراكز السيطرة على الأمراض: «يجب موازنة الشفافية من خلال الأمور التي تبني الثقة. فإذا قلت إنك لا تعلم، سيعتقد الناس أنك شفاف، لكنهم قد يعتقدون أيضاً أنك لا تعرف ما تفعل، إنه سلاح ذو حدين».

لكن في حالات الطوارئ، لا مفر من إجراء تغييرات على الإرشادات العامة. ونصيحة الخبراء في يوم ما، يمكن أن تتغير في اليوم التالي، كما هو الحال مع نصيحة في بداية الجائحة بأن الأقنعة ليست ضرورية، كما قال أنتوني فاوتشي، مدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية.
والأمر الأساسي، كما يقول خبراء التواصل، هو تزويد البيانات بعبارات مثل «على حد علمنا» و«حتى الآن»، حيث تشير مثل هذه العبارات إلى أن الإرشادات يمكن أن تتغير، مع تقييم المعلومات الجديدة.
وإذا تجاهلت التحذيراتُ مثلَ هذه العبارات، «فإن ذلك سيجعل رسالة الصحة العامة عرضة لنظريات المؤامرة أو افتراض عدم الكفاءة»، بحسب كاثلين هول جاميسون، أستاذ أساليب التواصل ومديرة مركز السياسة العامة في أنيبيرج، فيلاديلفيا.
وفيما يتعلق بسلامة اللقاحات، يقول الخبراء إنه من الدقة وصفها بأنها آمنة للغاية. لكن هذا لا يعني أن السلطات الصحية يجب أن تقر باحتمال حدوث آثار جانبية نادرة وتناقشها. والواقع أن القيام بذلك مفيد في الحفاظ على الثقة، نظراً لأن هذه الآثار الجانبية يمكن أن تتصدر عناوين الأخبار، وغالباً ما ستهيمن على وسائل التواصل الاجتماعي. ومتابعة هذه الآثار، منذ أن أصبحت اللقاحات متاحة، هي محاولة من قبل المسؤولين الحكوميين لتجنب زرع الخوف من اللقاحات وإقناع المترددين بتلقي التطعيم.
في إحاطة افتراضية مع المراسلين يوم الخميس الماضي، سعت مديرة مراكز السيطرة على الأمراض، روشيل والينسكي، إلى تصحيح إحصائية يتم الاستشهاد بها بشكل شائع من وكالتها، وهي أن جميع حالات الإصابة بفيروس «كوفيد-19» التي دخلت المستشفيات والوفيات الناجمة عن الفيروس.. كلها لأشخاص غير الملقحين. وأشارت إلى أن البيانات كانت خلال الفترة من يناير وحتى يونيو، ولم تعكس أي تحديث في البيانات يتضمن ازدياد حالات ظهور متغير دلتا.

ليندا فيدلمان
صحفية أميركية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»