تظل دولة الإمارات متميزة بتقديم نموذج ملهم في علاقاتها الدولية، تحرص من خلاله على أن يكون تحقيق الازدهار والارتقاء بجودة الحياة هدفاً لعلاقاتها الخارجية، فالزيارة المرتقبة لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، إلى جمهورية كوريا تؤكد العلاقات الاستثنائية التي طورتها الإمارات مع هذا البلد المهم، وترتقي إلى مستوى العلاقات الاستراتيجية العميقة والمتميزة، حيث تأسست على الطموح إلى بناء وتبادل المصالح المشتركة، ضمن توجه الإمارات الدائم نحو توسيع وبناء شبكة مصالحها مع أبرز القوى الاقتصادية الفاعلة في العالم، حيث تعد كوريا واحدة من أهم الدول المصنعة في مجال الإلكترونيات والسيارات والسفن، كما تمتلك قطاعاً تقنياً قوياً للغاية، وتحتل مرتبة متقدمة عالمياً من حيث الناتج المحلي الإجمالي للفرد.

وشهدت العلاقات الإماراتية الكورية التي تمتد لنحو 43 عاماً تطوراً كبيراً، خلال السنوات الماضية، وصل إلى الارتقاء بهذه العلاقات إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية في عام 2018. وفي ترجمة عملية لهذا التعاون المثمر، بلغ عدد القطاعات الاستراتيجية التي يستثمر فيهما البلدان 11 قطاعاً استراتيجياً، تشمل الطاقة النووية، والفضاء، والصناعات الناشئة، والبنية التحتية الذكية، والتكنولوجيا والاتصالات، والتجارة والاستثمار، والاقتصاد الأخضر والطاقة النظيفة، والشركات الصغيرة والمتوسطة، والرعاية الصحية والخدمات الطبية، والموارد المائية والزراعة الذكية، والسياحة، والملكية الفكرية. وبلغ حجم التجارة غير النفطية بين البلدين، خلال الفترة الممتدة من عام 2014 وحتى نهاية عام 2023 حوالي 256.6 مليار درهم، وفقاً لبيانات المركز الاتحادي للتنافسية والإحصاء. وتعزيزاً لهذا التعاون أعلنت دولة الإمارات خطة لاستثمار 30 مليار دولار في جمهورية كوريا، خلال المرحلة المقبلة، في قطاعات مرتبطة بالطاقة المتجددة والتكنولوجيا المتقدمة، وغيرها من قطاعات الاقتصاد الجديد، بينما وصل حجم الاستثمارات الكورية في الإمارات مطلع العام 2021 حوالي 2.2 مليار دولار.

ولهذه المؤشرات المبشرة أثر كبير وإيجابي على النمو الاقتصادي، وجهود تحقيق التنمية المستدامة في البلدين، كما تمثل نموذجاً ملهماً يعكس حكمة قيادتي الدولتين، وسعيهما نحو الارتقاء بالعلاقات المشتركة. ولا بد من الإشارة هنا إلى بعض القطاعات الاستراتيجية، وأبرزها قطاع الطاقة النووية، حيث ترتبط الإمارات بعلاقات تعاون مع الجانب الكوري تعززت بالتوقيع مع تحالف شركات كورية لبناء أربعة مفاعلات نووية في الإمارات، في أكبر صفقة تؤسس لشراكة استراتيجية طويلة الأمد في المجال النووي السلمي، إلى جانب التعاون والاستثمارات الكورية في مشاريع الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح في دولة الإمارات. وعندما تُذكر جمهورية كوريا يحضر قطاع التكنولوجيا الذي تتميز به، ما جعله أحد أبرز قطاعات التعاون، إذ تستثمر في عدة مشاريع ذات صلة بالتكنولوجيا في الإمارات، مع توسع التنسيق والتعاون في مجالات حيوية أخرى مثل الدفاع والأمن الإلكتروني والتصنيع العسكري والمعارض المتخصصة.

وفي مؤشر على استدامة التعاون المستقبلي، والحرص على الاستفادة من تطوره في كافة القطاعات، يسعى البلدان إلى زيادة حجم التبادل التجاري بينهما للوصول إلى 20 مليار دولار في عام 2030. ولتحقيق هذا الهدف شهدت اللقاءات الثنائية التنسيقية زيادة ملحوظة، أثمرت إنشاء غرفة تجارة مشتركة تجمع رجال الأعمال الإماراتيين والكوريين، وتوفر لهم المعطيات والاستشارات والتسهيلات وخدمات الترويج التي تدعم خططهم الاستثمارية والتجارية المتبادلة، مع الانتظام في عقد منتدى الأعمال الإماراتي الكوري الذي يبقي رواد ورجال الأعمال في البلدين على اتصال دائم، ويمكّنهم من تبادل الخبرات واستعراض الفرص. ومع تزايد قنوات التواصل بين البلدين تتعمق مجالات التعاون والعلاقات القائمة على الاحترام المتبادل، وبناء المزيد من المصالح المشتركة، وهو ما يتسق مع توجه دولة الإمارات إلى جعل السياسة الخارجية والعلاقات الثنائية مع الآخرين أداة لخدمة النهوض والتطور والمصالح المشتركة.

*كاتب إماراتي