شغلت أزمة الديمقراطية التمثيلية في الغرب عدداً كبيراً من علماء السياسة والاجتماع في السنوات الأخيرة.

ونُشرت عنها كتبٌ ودراساتٌ عِدةٌ تناولت جوانبَها المختلفة. وعلى سبيل المثال فقد أوضح دافيد رونسيمان، في كتابه «كيف تنتهي الديمقراطية» الصادر في لندن عام 2018، كيف ازدادت الاختلالات في النظام الديمقراطي، وخلص إلى أن عجز النخب السياسية عن وضع حد لهذه الاختلالات قد يجعل الديمقراطيةَ تاريخاً.

ولمس ياشا مونك، في كتابه «الشعب مقابل الديمقراطية» الصادر عن جامعة هارفارد عام 2019، انصرافَ الأجيال الجديدة عن الساحة السياسية بسبب تراجع الثقة في جدوى الانتخابات والاستفتاءات، وفي فائدة المطالبة بتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، في الوقت الذي يزداد التفاوت والتهميش بوجهٍ عام، والانفصال بين المواطنين الأصليين والمهاجرين الذين اكتسبوا الجنسية بصفةٍ خاصة. وحذَّر مونك من تفكك النظام الديمقراطي حال استمرار هذه الأوضاع، وما يقترنُ بها من عدم مساواة وافتقارٍ إلى الشعور بالعدالة والأمان.

ونجد ما يؤكد صحة هذا التشريح لحالة الديمقراطية الغربية في الواقع طول الوقت. لكن الاحتجاجات العنيفة التي حدثت في ضواحي المدن الفرنسية الرئيسية، عقب قتل صبي فرنسي يوم السابع والعشرين من يونيو الماضي خلال محاولته الهرب من فحص مروري، سلَّطت الضوءَ على المدى الذي بلغه انعدامُ الثقة في المؤسسات الديمقراطية.

وكان لجوء بعض المحتجين إلى أعمال شغبٍ مُدانةٍ أيًا يكون سياقها، تعبيراً عن الإحباط من مؤسساتٍ ديمقراطية فاشلة. والمثير للانتباه، هنا، أن معظم هؤلاء الذين عبَّروا عن غضبهم تجاه مؤسسات النظام الديمقراطي، وصاروا مقتنعين بأنها لا تكفي لتحقيق آمالهم، أو حتى رفع مظالم عنهم، هم أبناء الجيل الرابع، وربما الخامس أيضاً، من المهاجرين، أي أنهم نشأوا في بيئةٍ فرنسيةٍ كاملة الأوصاف.

ولأن هذا الغضب لا يقتصرُ عليهم، بل يشمل أبناء فرنسيين أصليين من الجيل نفسه، فقد صارت دراسة اتجاهات الجيل Z واجبةً في الدول الغربية، ودول أخرى أيضاً تواجه مشاكل وأزمات اجتماعية. وقد أفادت بيانات وزارة الداخلية الفرنسية أن أكثر من ثلث المشاركين في أعمال الشغب التي تخللت الاحتجاجات تقل أعمارهم عن 18 عاماً.

وهؤلاء هم الأصغر عمراً في الجيل Z المولود أبناؤه بين منتصف التسعينيات وآخر العقد الأول في القرن الحالي (1995-2010 بالتقريب). أما باقي المشاركين فأغلبيتهم الساحقة من الأكبر عمراً في هذا الجيل، الذي يبلغ سن أكبر أبنائه الآن 28 عاماً. وأهم ما يميز هذا الجيل أنه نشأ في الزمن الرقمي، ولدى معظم أبنائه قدرة عالية على التواصل الإلكتروني.

ولكنه في الوقت نفسه الجيل الذي تأثر بأزمتين اقتصاديتين وماليتين كبيرتين بدأت الأولى في 2008، والثانية في 2020. ولهذا ربما يجوزُ القول إنه أكثر الأجيال اختباراً لقدرة الديمقراطية الغربية على حل مشاكله منذ عقودٍ طويلة. وتفيد المؤشرات المتوافرة أن أعدادًا متزايدة من أبنائه يصلون إلى أنها سقطت في هذا الاختبار، بخلاف صورةٍ رُسمت لها على مدى عقودٍ طويلة سابقة.

*مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتجيية