شهد العصر الحديث مراحل ثلاث من تطور السلاح: عصر البارود، ثم العصر النووي، ثم عصر الأسلحة المستقلة. لقد تبدّد الخيال العلمي عدة مرات، تبدّد حين استطاع الإنسان أن يطير، وأن يعبر البحار والمحيطات، ثم تبدّد بالوصول إلى الفضاء والهبوط على سطح القمر، ثم ها هو يتبدّد مجدداً بأجيال من طائرات من دون طيار، وغواصات ودبابات من دون قيادة، حيث يمسك الإنسان بالريموت في يديه، بينما تمضي الأسلحة ذاتيّة التحكم، أو الأسلحة المستقلة، إلى المعارك وحدها من دون بشر، فلا جندي ولا ضابط، بل قطع من الحديد تحارب وحدها!
في عام 2021 ظهرت في الولايات المتحدة «الكلاب الآلية» ذلك الروبوت الذي يمشي على أربع، ويحمل سلاحاً على ظهره، وفي عام 2024 ظهرت في المناورات الصينية - الفيتنامية «كلاباً آلية» جديدة.
وهكذا أصبح لدى العالم المعاصر: «الجندي الآلي» الذي يمشي على قدمين بسرعة (6) كم في الساعة، ويمكنه التعامل مع التضاريس المختلفة، والوصول إلى الهدف وإطلاق النار، وكذلك «الكلاب الآلية» التي تمشي على أربع ويمكنها قتل عدد أكبر من الناس، ومع الإنسان الآلي والكلب الآلي.. طائرات وغواصات ودبابات آلية. يبدو الأمر سينمائياً غارقاً في الخيال، لكن هذه باتت حقائق اللحظة.
يتوازى مع ذلك توتر إيديولوحي عالمي، وتنبؤات بصراع أديان وصدام حضارات، كما يتوازى معه خطر وجودي يتمثل في تغير المناخ وسطوة الجفاف.
يحتاج العالم حقاً إلى وقفة جادة، ويحتاج قادة العقل والروح إلى دقّ ناقوس الخطر، وإشعال الضوء الأحمر.
واحدة من تلك الوقفات المهمة كانت في العاصمة البرتغالية لشبونة، حيث فعاليات منتدى كايسيد العالمي للحوار. في المنتدى المميز دعا مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار، برئاسة الأمين العام الدكتور زهير الحارثي نخبة من قادة الأديان والثقافات والسياسة إلى الحوار والنقاش.
شارك في منتدى كايسيد إمام المسجد الحرام الشيخ صالح بن حميد، ومفتي مصر الدكتور شوقي علام، كما تحدث الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا أولاند، ورئيس النمسا السابق هاينز فيشر، والرئيس السابق للبرلمان البرتغالي، وعمدة لشبونة، وزوجة الزعيم نيلسون مانديلا «جراشا ماتشيل».
من بين كلمات لافتة عديدة، استمعتُ إليها في أثناء حضوري منتدى لشبونة، كانت كلمة رئيس وزراء إيطاليا السابق «ماثيو رينزي» مهمة للغاية، قال رينزي: لا يجب أن نكون وليمة للخوارزميات، الحقائق لا تنتجها الخوارزميات بل ينتجها الحوار الإنساني، وفي زمن الذكاء الاصطناعي يجب أن يكون هناك مكان للدين ومكان للثقافة.
وقد أعجبني قول أحد المتحدثين في منتدى كايسيد: إن هذا الكوكب يواجه تحديات كبرى، ويجب التعامل مع البيئة باعتبارها بيئة مقدسة، والكوكب بأكمله باعتباره أرضاً مقدسة، فلا يوجد مكان بديل، ولا كوكب آخر.
كانت الوقفة الأخلاقية لـ«كايسيد» في لشبونة مهمة للغاية.. لا يجب أن نترك مصيرنا للوحوش الخوارزمية، أو أن نترك إدارة صراعاتنا للكلاب الآلية.. إننا نعيش عند أعلى نقطة في مرتفعات التاريخ الإنساني، لكن خطأ واحداً سوف يُسقط الجميع.
ما أقرب السفوح إلى المرتفعات، لا يفصل بينهما سوى الحماقة!
*كاتب مصري