دخل لبنان سنته الخامسة، منذ توقفه عن دفع الأقساط المستحقة من ديون سندات «اليوروبوندز» في 9 مارس 2020، من دون أن يتحرك الدائنون لتحصيل أموالهم، خلال السنوات الأربع الماضية. وكذلك لم تتحرك الحكومة اللبنانية لمفاوضة الدائنين والاتفاق معهم على تسوية معينة (أقلها إعادة الجدولة). وبما أن شروط عقود هذه السندات قد حددت لحامليها فترة 5 سنوات للمطالبة بالفوائد، و10 سنوات للمطالبة بأصل الدين، منذ تاريخ التوقف عن الدفع، لذا يمكن للدائنين أن يرفعوا دعاوى ضد الدولة اللبنانية أمام محاكم نيويورك، قبل 9 مارس 2025، حتى لا يفقدوا حقهم في الفائدة، والتي تقدر حتى الآن بنحو 10 مليارات دولار.

عندما أعلن حسان دياب، رئيس الحكومة اللبنانية في حينها، التوقف عن الدفع، كان مجموع المبالغ المستحقة بين مارس ويونيو 2020، نحو 5.2 مليار دولار، وبرر قراره بأنه «لم يعد ممكناً الاستمرار في الاستدانة لتمويل واقع الفساد، وحان الوقت لنستعيد السلوك الأخلاقي في حوكمتنا وإرجاع الثقة بدولتنا». وارتبط القرار ببنود إصلاحية أعلن دياب الالتزام بها، وتشمل مكافحة الفساد والتهرب الضريبي، وهكيلة ديون الدولة، وإجراء مفاوضات منصفة مع الدائنين، وإعادة هيكلة القطاع المصرفي وحماية الودائع، فضلا عن إصلاح النظام القضائي.

وإذا كان تخلف لبنان عن الدفع قد شكّل تحولا على مستوى الأزمة، إذ ترسخت النظرة السلبية إلى أدائه الاقتصادي والائتماني على المستوى الدولي، فإن حكومة دياب لم تتمكن من الوفاء بالتزاماتها، وكذلك حكومة نجيب ميقاتي (التي جاءت بعدها ومستمرة حالياً)، من تنفيذ أي مشروع إصلاحي، رغم الضغوط الدولية، وخصوصاً برنامج صندوق النقد الدولي، حتى أنها فشلت في معالجة مشكلة الديون البالغة نحو 92 مليار دولار، منها 61 مليار دولار بالليرة اللبنانية، وقد تم «ذوبان» معظمها نتيجة تدهور سعر صرف الليرة. أما سندات «اليوروبوندز» فكانت قيمتها نحو 31.3 مليار دولار، موزعة بين المصارف المحلية بحصة 13.8 مليار دولار، ومصرف لبنان (5 مليارات)، فيما حصة المستثمرين الأجانب نحو 12.48 مليار دولار. لكن تلك «التوزيعة» تغيّرت بتأثير تطورات الأزمة التي دفعت المصارف المحلية إلى بيع المستثمرين الأجانب سندات بنحو 9.8 مليار دولار، بسعر منخفض، وارتفعت بذلك حصتهم إلى 22.3 مليار دولار. ومع احتساب الفوائد، يرتفع الدين المستحق على الدولة اللبنانية وفق السعر الاسمي للسندات إلى أكثر من 40 مليار دولار.

ويراهن الدائنون على كسب الدعاوى أمام القضاء الأميركي، وحجز أصول الدولة، بما فيها كمية الذهب المودعة في الولايات المتحدة، وذلك وفق شروط «اليوروبوندز». وفي إشارة إلى تضاؤل الآمال بمستقبل الأزمة اللبنانية، وتراجع آمال بعض المستثمرين، سجلت تلك السندات انخفاضات متتالية في قيمتها، حتى وصلت إلى نحو 5 سنتات للدولار الواحد (أي 5 في المئة فقط من قيمة السند الاسمي).

لكن مع الحديث مؤخراً عن إمكانية إقدام لبنان على تكليف أحد المصارف الأجنبية لشراء كمية من هذه السندات لحساب الدولة، فقد ساهم ذلك في رفع السعر بين المضاربين إلى نحو 7 سنتات. وفي حال تمت عملية الشراء، يمكن إطفاء جزء كبير من الدين الخارجي، وتحقيق وفر للخزينة. ورغم تفهّم حاكم مصرف لبنان وسيم منصوري لبعض الصعوبات، فإنه بدا متحمساً للمشاركة في العملية، بما يطمئن بعض المصارف الأجنبية التي أبدت اهتماماً بالسوق اللبنانية، وتجد في «الإفلاس المصرفي» فرصة سانحة لاستثمار مربح، وهي تراهن على أن الأوضاع في لبنان لن تبقى على حالها، وأن الأوضاع الإقليمية ستعود إلى شكل من أشكال الاستقرار عاجلاً أم آجلاً.

*كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية