يتصدر الاتفاق النووي المرتقب بين الولايات المتحدة وإيران الأجندة الدولية، إذ عقد الجانبان ثلاث جولات من المحادثات غير المباشرة واجتماعاً واحداً على مستوى الخبراء خلال ما يزيد قليلاً على أسبوعين، واتفقا على الاجتماع مجدداً في الأيام المقبلة.
هناك توجه نحو التوصل لاتفاق، فيما لا تزال العقبات الفنية كبيرة وتشكل حائلاً يصعب تجاوزه. وقد صرح الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأن المفاوضات «تسير على ما يرام»، و«سنتوصل إلى شيء ما دون الحاجة إلى إلقاء القنابل». أما إيران فأكدت إمكانية التوصل لاتفاق في حال حضرت الولايات المتحدة «بإرادة حقيقية»، وأوضحت أن أولويتها تبقى لرفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها.
وكان ترامب قد أعلن مسبقاً، بعد فوزه بالسباق الرئاسي، أنه يخطط لاتباع سياسة صارمة تجاه إيران بعد توليه منصبه، بهدف الضغط عليها بخصوص طموحاتها النووية، وتقليص مبيعات النفط الإيراني بهدف تقليص أو حتى إنهاء دعم طهران للجماعات المسلحة في الشرق الأوسط. وخلال ولاية ترامب الأولى مارس سياسية الضغط الأقصى على إيران، وانسحب من الاتفاق النووي معها في محاولة لإجبارها على التخلي عن طموحاتها النووية.
واليوم، من المنتظر الانطلاق من الاتفاق على إطار عام قبل البدء بالتفاصيل، إذ ستركز المباحثات على ملفات معقدة، يتصدرها الملف النووي لإيران وبرنامجها الصاروخي، وكذلك ملف المسيّرات، ودعم إيران لأذرعها في المنطقة. وقد طُرحت أفكار حول تبني النموذج الليبي، حيث تم الاتفاق في وقته مع حكومة القذافي على تفكيك برنامجه النووي كاملاً ونقله خارج ليبيا. لكن إيران ترفض هذه الفكرة وتراها انتهاكاً لحقها في تخصيب اليورانيوم للأغراض السلمية بموجب معاهدة حظر الانتشار النووي، وقالت إنها لن ترضخ لمطالب تفكيك برنامجها النووي، ولن تنزع أسلحتها التقليدية كالصواريخ.
وبنظرة واقعية، فإن التطورات السياسية خلال السنوات الأخيرة في سوريا ولبنان أفقدت إيرانَ هيمنتَها على الساحتين السورية واللبنانية، كما أن الضربات الإسرائيلية المتلاحقة في الداخل الإيراني وعلى الساحتين اللبنانية والسورية ساهمت في تحجيم دور الأذرع الإقليمية في المنطقة، مما أجبر طهران على التخلي عن أهم أوراق الضغط لديها.
وإضافة إلى كل ذلك، فقد تحسنت خلال السنوات الماضية العلاقات الإيرانية مع دول الخليج العربية، مما فتح الباب للتعاون والتنسيق المشترك، خاصة أن رفع العقوبات المفروضة على إيران سيفتح المجال لفرص استثمارية واقتصادية مشتركة.
وكان أحد أهم المآخذ على الاتفاق النووي السابق (عام 2015) من وجهة نظر خليجية أنه استبعد دول الخليج من مناقشة إحدى أهم القضايا التي تهم كل دول المنطقة وشعوبها، والتي تؤثر على دول الخليج ذاتها، سياسياً وأمنياً وبيئياً واقتصادياً. فعلى المستوى الأمني سيساهم تقليص الدعم للأذرع في المنطقة، من جماعات مسلحة، في تقوية الدولة الوطنية في العالم العربي، مما يدعم الاستقرار السياسي. كما أن رفع العقوبات سيفتح المجال لتعزيز التبادل التجاري ويساهم في دخول الاستثمارات الخليجية للسوق الإيرانية.
وكل تلك المسارات الموازية للاتفاق النووي ستعزز من الثقة الدولية في إيران وفي برنامجها النووي كبرنامج سلمي. لذا فإنه إذا كان المحور الأساسي في المفاوضات الأميركية الإيرانية هو القضايا النووية الفنية، فإن فتح مسارات منفصلة للحوار، أمنية واقتصادية وبيئية، مع دول الخليج، سيساهم في تعزيز فرص التوصل إلى اتفاق شامل قابل للاستمرار.
تنطلق المفاوضات الأميركية الإيرانية وسط واقع إقليمي ودولي مختلف، وينتظر أن يقدم الطرفان تنازلاتٍ، والمؤكد أن طهران مطالبة بتنازلات، فثمن تفويت فرص الحلول الدبلوماسية باهظ بالنسبة للجميع.
*كاتبة إماراتية


