زيارة دونالد ترامب، الرئيس الأميركي، لدولة الإمارات العربية المتحدة، مثلت محطة محورية أسفرت عن اتفاقية تاريخية تقضي باختيار أبوظبي مقراً لأكبر مجمّع للذكاء الاصطناعي خارج الولايات المتحدة الأميركية، يُزوَّد بأحدث التكنولوجيا الأميركية، ومنها الرقائق المتقدمة التي يُحظر تصديرها عادةً خارج الولايات المتحدة.
ويُعدّ تدشين هذا المجمّع، الذي أطلقه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، بالشراكة مع الرئيس الأميركي، إيذاناً ببدء عصر جديد لدولة الإمارات، ولدول العالم النامي في أفريقيا وآسيا، فهذا المجمّع، الذي يعمل بطاقة 5 جيجاوات، يُتوقع أن يمثّل بوابة تقنية تخدم نحو ثلث سكان العالم خارج الدول الرائدة، ويُسهم في تسريع وتحفيز نمو 10 في المئة من اقتصادات العالم.
ويُقدّم هذا المجمّع نموذجاً فريداً في آسيا وأفريقيا، فهو لا يفتح الآفاق للطاقات الفكرية والإبداعية فقط، بل ويمثّل أيضاً وجهةً رئيسية للراغبين في الوصول إلى أحدث الابتكارات في مجال الذكاء الاصطناعي، والاطلاع على مستجداته، ونقلها إلى مجتمعاتهم للاستفادة منها في تطوير اقتصاداتهم وتحفيزها، والارتقاء بمستوى مجتمعاتهم. ويطرح هذا المجمّع نموذجاً جديداً في إدارة الذكاء الاصطناعي يقوم على منظومة طاقة متقدمة تعتمد مزيجاً من الطاقة النووية، والطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، وهو ما يُسهم في تقليل الانبعاثات الحرارية، والحفاظ على البيئة، وحماية كوكب الأرض. وسوف تُسهم هذه المبادرة الرائدة غير المسبوقة في ترسيخ مكانة دولة الإمارات واحدةً من أبرز الدول المنتجة للذكاء الاصطناعي، والفاعلة في نشره وتقديمه للدول والمجتمعات الأقل حظّاً في هذا المجال، وبذلك ترسّخ أبوظبي موقعها عاصمةً للذكاء الاصطناعي في الشرق والجنوب.
ويمثل هذا المشروع إضافة نوعية إلى اقتصاد المعرفة في دولة الإمارات، ويعزز من قدراتها التنافسية في مرحلة ما بعد النفط، كما يمثّل أحد أبرز أدوات القوة الناعمة التي تُسهم في تعزيز الحضور الدولي للدولة، وتجسيد رؤيتها الطموحة نحو التقدم والازدهار. كما سيمثل هذا المجمّع، على المستوى الداخلي، فرصة محورية لتطوير التعليم في دولة الإمارات بشقيه العام والجامعي عبر جوانب عدة، منها توفير فرصة مهمة للمدرسين والطلاب للاطلاع المباشر على أحدث الابتكارات في مجال الذكاء الاصطناعي، عبر الزيارات التعليمية التي يُتوقع أن تنظمها المؤسسات التربوية للمجمع للاطلاع على برامجه وإنجازاته.
وسيُسهم المجمّع أيضاً في استقطاب نخبة من الكفاءات العالمية في هذا المجال، وهو ما سينعكس إيجاباً على تطوير التعليم، وذلك بمشاركاتهم في المؤتمرات، والندوات، وعمليات التدريس والتدريب. وإضافة إلى ما سبق، يمثِّل المجمّع منصة عملية لتدريب الطلاب المتخصصين بالذكاء الاصطناعي، تمهيداً لتأهيلهم للانخراط مستقبلاً في سوق العمل. وأخيراً، سوف يفتح المجمّع آفاقاً جديدة للتوظيف أمام الموهوبين من المواطنين والمقيمين على أرض الدولة، في إطار مسيرتها نحو التنمية المستدامة، وبناء مجتمع المعرفة.
د.نضال محمد الطنيجي*
*عضو المجلس الوطني الاتحادي. رئيس لجنة شؤون التقنية والطاقة والثروة المعدنية والمرافق العامة.